responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 378
عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: 84] فإن الله تعالى رد عليه أهله بعد ما أَمَاتَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: تَمَسَّكَ الْمُجَسِّمَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فِي مَكَانٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ إِلَى حُكْمِهِ يُرْجَعُونَ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَيَجْمَعُهُمْ فِي الْمَحْشَرِ وَذَلِكَ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا وُصِفَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى حَيْثُ لَا يَتَوَلَّى الْحُكْمَ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِمْ رَجَعَ أَمْرُهُ إِلَى الْأَمِيرِ، أَيْ إِلَى حَيْثُ لَا يَحْكُمُ غَيْرُهُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ أَهْلِ الطَّبَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَرْكَانِ وَالْمِزَاجَاتِ كَمَا حكى عن قوم في قوله: مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الْجَاثِيَةِ: 24] الثَّانِي: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الدَّالِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ أَحْيَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّكْلِيفِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، الْخَامِسُ: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ قَالَ: فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ عَلَى هَذَا الْمَوْتِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ أَمَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، فَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وتعالى أنه بعد ما كَانَ نُطْفَةً فَإِنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُ وَصَوَّرَهُ أَحْسَنَ صُورَةٍ وَجَعَلَهُ بَشَرًا سَوِيًّا وَأَكْمَلَ عَقْلَهُ وَصَيَّرَهُ بَصِيرًا بِأَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَمَلَّكَهُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَالدُّورَ وَالْقُصُورَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُزِيلُ كُلَّ ذَلِكَ عَنْهُ بِأَنْ يُمِيتَهُ وَيُصَيِّرَهُ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَيَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً فِي اللُّحُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ [الْمُؤْمِنُونَ: 100] يُنَادَى فَلَا يُجِيبُ وَيُسْتَنْطَقُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ لَا يَزُورُهُ الْأَقْرَبُونَ، بَلْ يَنْسَاهُ الْأَهْلُ وَالْبَنُونَ. كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ:
يَمُرُّ أَقَارِبِي بِحِذَاءِ قَبْرِي ... كَأَنَّ أَقَارِبِي لَمْ يَعْرِفُونِي
وَقَالَ أَيْضًا: إِلَهِي كَأَنِّي بِنَفْسِي وَقَدْ أَضْجَعُوهَا فِي حُفْرَتِهَا، وَانْصَرَفَ الْمُشَيِّعُونَ عَنْ تَشْيِيعِهَا، وَبَكَى الْغَرِيبُ عَلَيْهَا لِغُرْبَتِهَا، وَنَادَاهَا مِنْ شَفِيرِ الْقَبْرِ ذُو مَوَدَّتِهَا، وَرَحِمَتْهَا الْأَعَادِي عِنْدَ جَزْعَتِهَا، / وَلَمْ يَخْفَ عَلَى النَّاظِرِينَ عَجْزُ حِيلَتِهَا، فَمَا رجائي إلا أن نقول: مَا تَقُولُ مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى فَرِيدٍ قَدْ نَأَى عَنْهُ الْأَقْرَبُونَ، وَوَحِيدٍ قَدْ جَفَاهُ الْمُحِبُّونَ، أَصْبَحَ مِنِّي قَرِيبًا وَفِي اللَّحْدِ غَرِيبًا، وَكَانَ لِي فِي الدُّنْيَا دَاعِيًا وَمُجِيبًا، وَلِإِحْسَانِي إِلَيْهِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ رَاجِيًا، فَأَحْسِنْ إِلَيَّ هُنَاكَ يَا قَدِيمَ الْإِحْسَانِ، وَحَقِّقْ رَجَائِيَ فِيكَ يَا وَاسِعَ الْغُفْرَانِ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ فلأن سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ بِأَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزُّمَرِ: 68] وَقَالَ: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [الْمَعَارِجِ: 43] ثُمَّ يُعْرَضُونَ على الله كما قال: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
[الْكَهْفِ: 48] فَيَقُومُونَ خَاشِعِينَ خَاضِعِينَ كَمَا قَالَ: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ [طَهَ: 108] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَهَنَا إِذَا قُمْنَا مِنْ ثَرَى الْأَجْدَاثِ مُغْبَرَّةٌ رُؤُوسُنَا. وَمِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ شَاحِبَةٌ وُجُوهُنَا، وَمِنْ هَوْلِ الْقِيَامَةِ مُطْرِقَةٌ رُؤُوسُنَا. وَجَائِعَةٌ لِطُولِ الْقِيَامَةِ بُطُونُنَا، وَبَادِيَةٌ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ سَوْآتُنَا، وَمُوقَرَةٌ مِنْ ثِقَلِ الْأَوْزَارِ ظُهُورُنَا، وَبَقِينَا مُتَحَيِّرِينَ فِي أُمُورِنَا نَادِمِينَ عَلَى ذُنُوبِنَا، فَلَا تُضْعِفِ الْمَصَائِبَ بِإِعْرَاضِكَ عَنَّا، وَوَسِّعْ رَحْمَتَكَ وَغُفْرَانَكَ لَنَا، يَا عظيم الرحمة يا واسع المغفرة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 378
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست