responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 336
العلم، فكل ما كَانَ أَظْهَرَ دَلَالَةً كَانَ أَقْوَى إِفَادَةً، وَكَانَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ. فَلِهَذَا السَّبَبِ قَدَّمَ ذِكْرَ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ ثَنَّاهُ بِآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالْأَرْضِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِحَالِ الْأَرْضِ مِنْهُ بِأَحْوَالِ السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ السَّمَاءِ عَلَى نُزُولِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَخُرُوجِ الثَّمَرَاتِ بِسَبَبِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْأَمْرِ الْمُتَوَلَّدِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْأَثَرُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمُؤَثِّرِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَخَّرَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
الثَّانِي: هُوَ أَنَّ خَلْقَ الْمُكَلَّفِينَ أَحْيَاءَ قَادِرِينَ أَصْلٌ لِجَمِيعِ النِّعَمِ، وَأَمَّا خَلْقُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْمَاءِ فَذَاكَ إِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِشَرْطِ حُصُولِ الْخَلْقِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالشَّهْوَةِ، فَلَا جَرَمَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ. الثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مِنْ دَلَائِلِ الصَّانِعِ فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَقَدْ حَصَلَ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الدَّلَائِلِ مَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِمَا؟ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حَصَلَ فِيهِ الْحَيَاةُ وَالْقُدْرَةُ وَالشَّهْوَةُ وَالْعَقْلُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى. فَلَمَّا كَانَتْ وُجُوهُ الدَّلَائِلِ لَهُ هاهنا أَتَمَّ كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَاعْلَمْ أَنَّا كَمَا ذكرنا السبب في الترتيب فلنذكر فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْمَنَافِعِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر هاهنا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْضَ فِرَاشًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً [النَّمْلِ: 61] وقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً [الزُّخْرُفِ: 10] وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ فِرَاشًا مَشْرُوطٌ بِأُمُورٍ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: كَوْنُهَا سَاكِنَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً لَكَانَتْ حَرَكَتُهَا إِمَّا بِالِاسْتِقَامَةِ أَوْ بِالِاسْتِدَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالِاسْتِقَامَةِ لَمَا كَانَتْ فِرَاشًا لَنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مَنْ طَفَرَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِلَ إِلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَرْضَ هَاوِيَةٌ، وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ هَاوٍ، وَالْأَرْضُ أَثْقَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَالثَّقِيلَانِ إِذَا نَزَلَا كَانَ أَثْقَلُهُمَا أَسْرَعَهَمَا وَالْأَبْطَأُ لَا يَلْحَقُ الْأَسْرَعَ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِلَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْأَرْضِ فَثَبَتَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هَاوِيَةً لَمَا كَانَتْ فِرَاشًا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَرَكَتُهَا بِالِاسْتِدَارَةِ لَمْ يَكْمُلِ انْتِفَاعُنَا بِهَا، لَأَنَّ حَرَكَةَ الْأَرْضِ مَثَلًا إِذَا كَانَتْ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ أَنْ يَتَحَرَّكَ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَرَكَةَ الْأَرْضِ أَسْرَعُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى الْإِنْسَانُ عَلَى مَكَانِهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ لَا بِالِاسْتِدَارَةِ وَلَا بِالِاسْتِقَامَةِ فَهِيَ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ ذَلِكَ السُّكُونِ عَلَى وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَرْضَ لَا نِهَايَةَ لَهَا مِنْ جَانِبِ السُّفْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْبِطٌ فَلَا تَنْزِلُ وَهَذَا فَاسِدٌ لِمَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ تَنَاهِي الْأَجْسَامِ. وَثَانِيهَا: الَّذِينَ سَلَّمُوا تناهي الأجسام قالوا الأرض ليست بكرة بَلْ هِيَ كَنِصْفِ كُرَةٍ وَحَدَبَتُهَا فَوْقُ وَسَطْحُهَا أَسْفَلُ وَذَلِكَ السَّطْحُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، وَمِنْ شَأْنِ الثَّقِيلِ إِذَا انْبَسَطَ أَنْ يَنْدَغِمَ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ مِثْلَ/ الرَّصَاصَةِ فَإِنَّهَا إِذَا انْبَسَطَتْ طَفَتْ عَلَى الْمَاءِ، وَإِنْ جُمِعَتْ رَسَبَتْ وهذا باطل الوجهين: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ سَبَبِ وُقُوفِ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ كَالْبَحْثِ عَنْ سَبَبِ وُقُوفِ الْأَرْضِ. وَالثَّانِي: لِمَ صَارَ ذَلِكَ الْجَانِبُ مِنَ الْأَرْضِ مُنْبَسِطًا حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْمَاءِ وَصَارَ هَذَا الْجَانِبُ مُتَحَدِّبًا؟. وَثَالِثُهَا: الَّذِينَ قَالُوا سَبَبُ سُكُونِ الْأَرْضِ جَذْبُ الْفَلَكِ لَهَا مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ فَلَمْ يَكُنِ انْجِذَابُهَا إِلَى بَعْضِ الْجَوَانِبِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَبَقِيَتْ فِي الْوَسَطِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْغَرَ أَسْرَعُ انْجِذَابًا مِنَ الْأَكْبَرِ، فَمَا بَالُ الذَّرَّةِ لَا تَنْجَذِبُ إِلَى الْفَلَكِ.
الثَّانِي: الْأَقْرَبُ أَوْلَى بِالِانْجِذَابِ فَالذَّرَّةُ الْمَقْذُوفَةُ إِلَى فَوْقٍ أَوْلَى بِالِانْجِذَابِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا تَعُودَ. وَرَابِعُهَا:
قَوْلُ مَنْ جَعَلَ سَبَبَ سُكُونِهَا دَفْعَ الْفَلَكِ لَهَا مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ، كَمَا إِذَا جُعِلَ شَيْءٌ مِنَ التُّرَابِ فِي قِنِّينَةٍ ثُمَّ أُدِيرَتِ الْقِنِّينَةُ عَلَى قُطْبِهَا إِدَارَةً سَرِيعَةً، فَإِنَّهُ يَقِفُ التُّرَابُ فِي وَسَطِ الْقِنِّينَةِ لِتَسَاوِي الدَّفْعِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ. وَهَذَا أَيْضًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 336
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست