responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 333
اشْتِرَاكُ الْكُلِّ فِي تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ مُنْفَصِلٍ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ إِنْ كَانَ جِسْمًا عَادَ الْبَحْثُ فِي أَنَّهُ لِمَ اخْتُصَّ بِتِلْكَ الْمُؤَثِّرِيَّةِ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَجْسَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِسْمًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجَبًا أَوْ مُخْتَارًا. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ اخْتِصَاصُ بَعْضِ الْأَجْسَامِ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ افْتِقَارُ جَمِيعِ الْأَجْسَامِ إِلَى مُؤَثِّرٍ قَادِرٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَا بِجُسْمَانِيٍّ، وَعِنْدَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ لَا يَكْفِي إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِعَانَةِ بِإِمْكَانِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ، وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَصَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْأَدِلَّةِ بِالْإِيرَادِ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ لَمَّا كَانَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ إِلَى أَفْهَامِ الْخَلْقِ وَأَشَدَّهَا الْتِصَاقًا بِالْعُقُولِ، وَكَانَتِ الْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَبْعَدَهَا عَنِ الدِّقَّةِ وَأَقْرَبَهَا إِلَى الْأَفْهَامِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقُرْآنِيَّةِ الْمُجَادَلَةَ، بَلِ الْغَرَضُ مِنْهَا تَحْصِيلُ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ فِي الْقُلُوبِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الدَّلَائِلِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الدَّلَائِلِ كَمَا يفيد العلم بوجود الخالق فهو يذكر نعم الْخَالِقِ عَلَيْنَا، فَإِنَّ الْوُجُودَ وَالْحَيَاةَ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ عَلَيْنَا، وَتَذْكِيرُ النِّعَمِ مِمَّا يُوجِبُ الْمَحَبَّةَ وَتَرْكَ الْمُنَازَعَةِ وَحُصُولَ الِانْقِيَادِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ ذِكْرُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّلَفِ طُرُقًا لَطِيفَةً فِي هَذَا الْبَابِ، أَحَدُهَا:
يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: هَلْ رَكِبْتَ الْبَحْرَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ هَلْ رَأَيْتَ أَهْوَالَهُ؟ قَالَ بَلَى، هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتِ السُّفُنَ وَغَرَّقَتِ الْمَلَّاحِينَ، فَتَعَلَّقْتُ أَنَا بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْتُ إِلَى السَّاحِلِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُكَ مِنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ ثُمَّ عَلَى اللَّوْحِ حَتَّى تُنْجِيَكَ، فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْكَ هَلْ أَسْلَمْتَ/ نَفْسَكَ لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْتَ تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدُ؟ قَالَ بَلْ رَجَوْتُ السَّلَامَةَ، قَالَ مِمَّنْ كُنْتَ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي كُنْتَ تَرْجُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاكَ مِنَ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ.
وَثَانِيهَا: جَاءَ
فِي «كِتَابِ دِيَانَاتِ الْعَرَبِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «كَمْ لَكَ مِنْ إِلَهٍ» قَالَ عَشْرَةٌ، قَالَ فَمَنْ لِغَمِّكَ وَكَرْبِكَ وَدَفْعِ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ إِذَا نَزَلَ بِكَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ؟ قَالَ اللَّهُ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مالك مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ» ،
وَثَالِثُهَا: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ، وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا فِي مَسْجِدِهِ قَاعِدٌ إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِسُيُوفٍ مَسْلُولَةٍ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِيبُونِي عَنْ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالُوا لَهُ هَاتِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لكم إني رأيت سفينة تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُتَعَهِّدٌ يَدْفَعُهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ؟ قَالُوا: لَا، هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَجُزْ فِي الْعَقْلِ سَفِينَةٌ تَجْرِي فِي البحر مستوية من غير متعهد ولا مجري فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَامُ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسِعَةِ أَطْرَافِهَا وَتَبَايُنِ أَكْنَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَحَافِظٍ؟ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا: صَدَقْتَ وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا. وَرَابِعُهَا: سَأَلُوا الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ؟ فَقَالَ: وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ طَعْمُهَا وَلَوْنُهَا وَرِيحُهَا وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيسَمُ، وَالنَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ. وَالشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ، وَيَأْكُلُهَا الظِّبَاءُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ فَمَنِ الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ؟ فَاسْتَحْسَنُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَأَسْلَمُوا عَلَى يَدِهِ وَكَانَ عَدَدُهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ. وَخَامِسُهَا: سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى فَتَمَسَّكَ بِأَنَّ الْوَالِدَ يُرِيدُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 333
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست