responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 306
فِي أَنَّ كَذِبَهُمْ عِلَّةٌ لِلْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَذِبٍ حَرَامًا فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَبَ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ، فَالْمُرَادُ التَّعْرِيضُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ الْكَذِبِ سُمِّيَ بِهِ. وَثَالِثُهَا:
فِي هَذِهِ الْآيَةِ قِرَاءَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: يَكْذِبُونَ وَالْمُرَادُ بِكَذِبِهِمْ قوله: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالثَّانِيَةُ:
«يُكَذِّبُونَ» مِنْ كَذَّبَهُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ صَدَّقَهُ، وَمِنْ كَذَّبَ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي كَذَبَ، كَمَا بُولِغَ فِي صَدَقَ فَقِيلَ صَدَّقَ.

[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 12]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: مَنِ الْقَائِلُ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ؟ وَثَانِيهَا: مَا الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ؟ وَثَالِثُهَا: مَنِ الْقَائِلُ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ؟
وَرَابِعُهَا: مَا الصَّلَاحُ؟.
أَمَّا المسألة الأولى: [أي من القائل لا تفسدوا في الأرض] فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ الْقَائِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِالدِّينِ وَالنَّصِيحَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ هُوَ أَنَّ الْقَائِلَ لَهُمْ ذَلِكَ مَنْ شَافَهَهُمْ بِذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلَغَهُ عَنْهُمُ النِّفَاقُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ فَنَصَحَهُمْ فَأَجَابُوا بِمَا يُحَقِّقُ إِيمَانَهُمْ وَأَنَّهُمْ فِي الصَّلَاحِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَعْضَ مَنْ كَانُوا يُلْقُونَ إِلَيْهِ الْفَسَادَ كَانَ لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُمْ وَكَانَ يَنْقَلِبُ وَاعِظًا لَهُمْ قَائِلًا لَهُمْ:
لَا تُفْسِدُوا فَإِنْ قِيلَ: أَفَمَا كَانُوا يُخْبِرُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إِلَّا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا إِذَا عُوتِبُوا عَادُوا إِلَى إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَالنَّدَمِ وَكَذَّبُوا النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ وَحَلَفُوا بِاللَّهِ عَلَيْهِ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [التَّوْبَةِ: 74] وَقَالَ: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ [التَّوْبَةِ: 96] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَسَادُ خُرُوجُ الشَّيْءِ عَنْ كَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَنَقِيضُهُ الصَّلَاحُ فَأَمَّا كَوْنُهُ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَمْرًا زَائِدًا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِظْهَارُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ إِظْهَارَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا كَانَ إِفْسَادًا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ سُنَنٌ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ الْعِبَادِ، فَإِذَا تَمَسَّكَ الْخَلْقُ بِهَا زَالَ الْعُدْوَانُ وَلَزِمَ كُلُّ أَحَدٍ شَأْنَهُ، فَحُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَسَكَنَتِ الْفِتَنُ، وَكَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْأَرْضِ وَصَلَاحُ أَهْلِهَا، أَمَّا إِذَا تَرَكُوا التَّمَسُّكَ بِالشَّرَائِعِ وَأَقْدَمَ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى مَا يَهْوَاهُ لَزِمَ الْهَرَجُ وَالْمَرَجُ وَالِاضْطِرَابُ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [مُحَمَّدٍ: 22] نَبَّهَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا أَعْرَضُوا عَنِ الطَّاعَةِ لَمْ يَحْصُلُوا إِلَّا عَلَى الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ بِهِ، وَثَانِيهَا: أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ الْفَسَادُ هُوَ مُدَارَاةُ الْمُنَافِقِينَ لِلْكَافِرِينَ وَمُخَالَطَتُهُمْ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا مَالُوا إِلَى الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي الظَّاهِرِ مُؤْمِنُونَ أَوْهَمَ ذَلِكَ ضَعْفَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعْفَ أَنْصَارِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ يُجَرِّئُ الْكَفَرَةَ عَلَى إِظْهَارِ عَدَاوَةِ الرَّسُولِ وَنَصْبِ الْحَرْبِ لَهُ وَطَمَعِهِمْ فِي الْغَلَبَةِ، وَفِيهِ فَسَادٌ عَظِيمٌ فِي الْأَرْضِ. وَثَالِثُهَا: قَالَ الأصم:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست