responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 12
سَمْلِ عَيْنَيْهِ أَوْ بَقْرِ بَطْنِهِ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْعَارِ الْبَاقِي، وَالْخِزْيِ اللَّازِمِ مُثْلَةٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا الْحَرْفِ مِنَ الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الشَّبَهُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْعِقَابُ مُشَابِهًا لِلْمُعَاقَبِ وَمُمَاثِلًا لَهُ لَا جَرَمَ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ (الْمُثُلَاتُ) بِضَمَّتَيْنِ لِإِتْبَاعِ الْفَاءِ الْعَيْنَ، (وَالْمَثْلَاتُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الثَّاءِ كَمَا يُقَالُ: السَّمُرَةُ، وَالْمُثْلَاتُ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الثَّاءِ تَخْفِيفُ الْمُثُلَاتِ بِضَمَّتَيْنِ، وَالْمُثْلَاتٌ جَمْعُ مُثْلَةٍ كَرُكْبَةٍ وَرُكْبَاتٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ مَعْنَى الْآيَةِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ الَّذِي لَمْ نُعَاجِلْهُمْ بِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا مَا نَزَلَ مِنْ عُقُوبَاتِنَا بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُمْ خَوْفُ ذَلِكَ عَنِ الْكُفْرِ اعْتِبَارًا بِحَالِ مَنْ سَلَفَ.
أما قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ فَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أن قوله تعالى: لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أَيْ حَالَ اشْتِغَالِهِمْ بِالظُّلْمِ كَمَا أَنَّهُ يُقَالُ: رَأَيْتُ الْأَمِيرَ عَلَى أَكْلِهِ أَيْ حَالَ اشْتِغَالِهِ بِالْأَكْلِ فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعَالَى غَافِرًا لِلنَّاسِ حَالَ اشْتِغَالِهِمْ بِالظُّلْمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَالَ اشْتِغَالِ الْإِنْسَانِ بِالظُّلْمِ لَا يَكُونُ تَائِبًا فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالتَّوْبَةِ. ثُمَّ نَقُولُ: تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَذَا الدَّلِيلِ فِي حق الْكُفْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكَبِيرَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، أَوْ نَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ بَلْ ذَكَرَ مَعَهُ قَوْلَهُ/ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، وَأَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى أَحْوَالِ الْكُفَّارِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: لَذُو مَغْفِرَةٍ لِأَهْلِ الصَّغَائِرِ لِأَجْلِ أَنَّ عُقُوبَتَهُمْ مُكَفِّرَةٌ ثُمَّ نَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: أَنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ إِذَا تَابُوا وَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا لَا يُعَجِّلُ الْعِقَابَ إِمْهَالًا لَهُمْ فِي الْإِتْيَانِ بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ تَابُوا فَهُوَ ذُو مَغْفِرَةٍ لَهُمْ وَيَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْمَغْفِرَةِ تَأْخِيرُ الْعِقَابِ إِلَى الْآخِرَةِ بَلْ نَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا طَلَبُوا تَعْجِيلَ الْعِقَابِ، فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى تَأْخِيرِ الْعِقَابِ حَتَّى يَنْطَبِقَ الْجَوَابُ عَلَى السُّؤَالِ ثُمَّ نَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا لَا يُعَجِّلُ الْعُقُوبَةَ إِمْهَالًا لَهُمْ فِي الْإِتْيَانِ بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ تَابُوا فَهُوَ ذُو مَغْفِرَةٍ، وَإِنْ عَظُمَ ظُلْمُهُمْ وَلَمْ يَتُوبُوا فَهُوَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَأْخِيرَ الْعِقَابِ لَا يُسَمَّى مَغْفِرَةً، وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ عِقَابَهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ، وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِهَذَا وَالتَّمَدُّحُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّفَضُّلِ.
أَمَّا بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ فَلَا تَمَدُّحَ فِيهِ وَعِنْدَكُمْ يَجِبُ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَغْفِرَةِ حَالَ الظُّلْمِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ حَالَ حُصُولِ الظُّلْمِ يَمْنَعُ حُصُولَ التَّوْبَةِ، فسقطت هذه الأسئلة وصح ما ذكرناه.

[سورة الرعد (13) : آية 7]
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ بِسَبَبِ طَعْنِهِمْ فِي الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ بِسَبَبِ طَعْنِهِمْ فِي صِحَّةِ مَا يُنْذِرُهُمْ بِهِ مِنْ نُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ثَانِيًا، ثُمَّ طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ بِأَنْ طَلَبُوا مِنْهُ الْمُعْجِزَةَ وَالْبَيِّنَةَ ثَالِثًا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 12
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست