responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 519
اعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَجَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ طَلَبُوا هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ، وَاعْتَقَدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَهَا فَرُبَّمَا آمَنُوا، فَلَمَّا ذَكَرَهَا أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ
[الْقَصَصِ: 56] قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: جَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ، لَأَنَّ جَوَابَ (لَوْ) لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أن يقال. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي «الْمَصَادِرِ» يُقَالُ: حَرَصَ يَحْرِصُ حِرْصًا، وَلُغَةٌ أُخْرَى شَاذَّةٌ: حَرَصَ يَحْرِصُ حَرِيصًا. وَمَعْنَى الْحِرْصُ: طَلَبُ الشَّيْءِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ من الاجتهاد. وقوله: وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أَيْ هُوَ تَذْكِرَةٌ لَهُمْ فِي دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالْقَصَصِ وَالتَّكَالِيفِ وَالْعِبَادَاتِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ لَا تَطْلُبُ مِنْهُمْ مَالًا وَلَا جُعْلًا، فَلَوْ كَانُوا عُقَلَاءَ لَقَبِلُوا وَلَمْ يَتَمَرَّدُوا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ يَعْنِي: أَنَّهُ لَا عَجَبَ إِذَا لَمْ يَتَأَمَّلُوا فِي الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ، فَإِنَّ الْعَالَمَ مَمْلُوءٌ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ إِنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مِنْ أُمُورٍ مَحْسُوسَةٍ، وَهِيَ إِمَّا الْأَجْرَامُ الْفَلَكِيَّةُ وَإِمَّا الْأَجْرَامُ الْعُنْصُرِيَّةُ، أَمَّا الْأَجْرَامُ الْفَلَكِيَّةُ: فَهِيَ قِسْمَانِ: إِمَّا الْأَفْلَاكُ وَإِمَّا الْكَوَاكِبُ. أَمَّا الْأَفْلَاكُ: فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِمَقَادِيرِهَا الْمُعَيَّنَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِكَوْنِ بَعْضِهَا فَوْقَ الْبَعْضِ أَوْ تَحْتَهُ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِأَحْوَالِ حَرَكَاتِهَا إِمَّا بِسَبَبِ أَنَّ حَرَكَاتِهَا مَسْبُوقَةٌ بِالْعَدَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَرِّكٍ قَادِرٍ، وَإِمَّا بِسَبَبِ كَيْفِيَّةِ حَرَكَاتِهَا فِي سُرْعَتِهَا وَبُطْئِهَا، وَإِمَّا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ جِهَاتِ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ. وَأَمَّا الْأَجْرَامُ الْكَوْكَبِيَّةُ فَتَارَةً يُسْتَدَلُّ عَلَى وجود الصانع بمقاديرها أحيازها وحركاتها، وتارة بألوانها وأضوائها، وتار بِتَأْثِيرَاتِهَا فِي حُصُولِ الْأَضْوَاءِ وَالْأَظْلَالِ وَالظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ، وَأَمَّا الدَّلَائِلُ الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْأَجْرَامِ الْعُنْصُرِيَّةِ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَأْخُوذَةً مِنْ بِسَائِطَ، وَهِيَ عَجَائِبُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَإِمَّا مِنَ الْمَوَالِيدِ وَهِيَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: الْآثَارُ الْعُلْوِيَّةُ كَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالْهَوَاءِ وَقَوْسِ قُزَحَ. وَثَانِيهَا: الْمَعَادِنُ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَائِعِهَا وَصِفَاتِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا. وَثَالِثُهَا: النَّبَاتُ وَخَاصِّيَّةُ الْخَشَبِ وَالْوَرَقِ وَالثَّمَرِ وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِطَبْعٍ خَاصٍّ وَطَعْمٍ خَاصٍّ وَخَاصِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَرَابِعُهَا: اخْتِلَافُ أَحْوَالِ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَشْكَالِهَا وَطَبَائِعِهَا وَأَصْوَاتِهَا وَخِلْقَتِهَا. وَخَامِسُهَا: تَشْرِيحُ أَبْدَانِ النَّاسِ وَتَشْرِيحُ الْقُوَى الْإِنْسَانِيَّةِ وَبَيَانُ الْمَنْفَعَةِ/ الْحَاصِلَةِ فِيهَا فَهَذِهِ مَجَامِعُ الدَّلَائِلِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا قَصَصُ الْأَوَّلِينَ وَحِكَايَاتُ الْأَقْدَمِينَ وَأَنَّ الْمُلُوكَ الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْأَرْضِ وَخَرَّبُوا الْبِلَادَ وَقَهَرُوا الْعِبَادَ مَاتُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ، ثُمَّ بَقِيَ الْوِزْرُ وَالْعِقَابُ عَلَيْهِمْ هَذَا ضَبْطُ أَنْوَاعِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ وَالْكِتَابُ الْمُحْتَوِي عَلَى شَرْحِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ هُوَ شَرْحُ جُمْلَةِ الْعَالَمِ الْأَعْلَى وَالْعَالَمِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ لَا يَفِي بِالْإِحَاطَةِ بِهِ فَلِهَذَا السَّبَبِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 519
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست