responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 513
ثُمَّ قَالَ: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ أَيْ مِنَ البادية، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْبَدْوُ بَسِيطٌ مِنَ الْأَرْضِ يَظْهَرُ فِيهِ الشَّخْصُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَصْلُهُ مِنْ بَدَا يَبْدُو بُدُوًّا، ثُمَّ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ فَيُقَالُ: بَدْوٌ/ وَحَضَرٌ وَكَانَ يَعْقُوبُ وَوَلَدُهُ بِأَرْضِ كَنْعَانَ أَهْلَ مَوَاشٍ وَبَرِّيَّةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا كَانَ يَعْقُوبُ قَدْ تَحَوَّلَ إِلَى بَدَا وَسَكَنَهَا، وَمِنْهَا قَدِمَ عَلَى يُوسُفَ وَلَهُ بِهَا مَسْجِدٌ تَحْتَ جَبَلِهَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: بَدَا اسْمُ مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ يقال هو بين شعب وَبَدَا وَهُمَا مَوْضِعَانِ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا كُثَيِّرٌ فَقَالَ:
وأنت التي حببت شعبا إِلَى بَدَا ... إِلَيَّ وَأَوْطَانِي بِلَادٌ سِوَاهُمَا
فَالْبَدْوُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْنَاهُ قَصْدُ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بَدَا يُقَالُ بَدَا الْقَوْمُ يَبْدُونَ بَدْوًا إِذَا أَتَوْا بَدَا كَمَا يُقَالُ: غَارَ الْقَوْمُ غَوْرًا إِذَا أَتَوُا الْغَوْرَ فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ قَصْدِ بَدَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَعْقُوبُ وَوَلَدُهُ حَضَرِيِّينَ لِأَنَّ الْبَدْوَ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْبَادِيَةَ لَكِنْ عنى به قصد بدا إلى هاهنا كَلَامٌ قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّ خُرُوجَ الْعَبْدِ مِنَ السِّجْنِ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ومجيئهم من البدو وأضافه إِلَى نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ فِعْلُ اللَّه تَعَالَى وَحُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَصَلَ بِإِقْدَارِ اللَّه تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ.
ثُمَّ قَالَ: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : نَزَغَ أَفْسَدَ بَيْنَنَا وَأَغْوَى وَأَصْلُهُ مِنْ نَزَغَ الرَّاكِضُ الدَّابَّةَ وَحَمَلَهَا عَلَى الْجَرْيِ: يُقَالُ: نَزَغَهُ وَنَسَغَهُ إِذَا نَخَسَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُبَّائِيَّ وَالْكَعْبِيَّ وَالْقَاضِيَ: احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْجَبْرِ قَالُوا: لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِحْسَانَ إِلَى اللَّه وَأَضَافَ النَّزْغَ إِلَى الشَّيْطَانِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ الرَّحْمَنِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُنْسَبَ إِلَّا إِلَيْهِ كَمَا فِي النِّعَمِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ إِضَافَتَهُ هَذَا الْفِعْلَ إِلَى الشَّيْطَانِ مَجَازٌ، لِأَنَّ عِنْدَكُمُ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْكَلَامِ الْخَفِيِّ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إِبْرَاهِيمَ: 22] فَثَبَتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي إِضَافَةَ هَذَا الْفِعْلِ إِلَى الشَّيْطَانِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ إِقْدَامُ الْمَرْءِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِسَبَبِ الشَّيْطَانِ فَإِقْدَامُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إِنْ كَانَ بِسَبَبِ شَيْطَانٍ آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ شَيْطَانٍ آخَرَ فَلْيُقَلْ مِثْلُهُ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ، فَثَبَتَ أَنَّ إِقْدَامَ الْمَرْءِ عَلَى الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ لَيْسَ بِسَبَبِ الشَّيْطَانِ وَلَيْسَ أَيْضًا بِسَبَبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى اخْتِيَارِ الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ الَّذِي يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا وَعِقَابِ الْآخِرَةِ، وَلَمَّا كَانَ وُقُوعُهُ فِي الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوقِعٍ، وَقَدْ بَطَلَ الْقِسْمَانِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مِنَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ الَّذِي/ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ إِنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّه تعالى.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 513
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست