responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 489
أَلْقَى فِي قُلُوبِ إِخْوَتِهِ أَنْ حَكَمُوا بِأَنَّ جَزَاءَ السَّارِقِ هُوَ أَنْ يُسْتَرَقَّ، لَا جَرَمَ لَمَّا ظَهَرَ الصُّوَاعُ فِي رَحْلِهِ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالِاسْتِرْقَاقِ، وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَمَكُّنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ إِمْسَاكِ أَخِيهِ عِنْدَ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ حُكْمُ الْمَلِكِ فِي السَّارِقِ أَنْ يُضْرَبَ وَيَغْرَمَ ضِعْفَيْ مَا سَرَقَ، فَمَا كَانَ يُوسُفُ قَادِرًا عَلَى حَبْسِ أَخِيهِ عِنْدَ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى دِينِ الْمَلِكِ وَحُكْمِهِ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى كَادَ لَهُ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ إِخْوَتِهِ أَنَّ جَزَاءَ السَّارِقِ هُوَ الِاسْتِرْقَاقُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ تَوَسَّلَ بِهِ إِلَى أَخْذِ أَخِيهِ وَحَبْسِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ دَرَجاتٍ بِالتَّنْوِينِ غَيْرَ مُضَافٍ، وَالْبَاقُونَ بِالْإِضَافَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيهِ وُجُوهَ الصَّوَابِ فِي بُلُوغِ الْمُرَادِ، وَيَخُصُّهُ بِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وأقسام الفضائل، والمراد هاهنا هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ دَرَجَاتِ يُوسُفَ عَلَى إِخْوَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ الْمَقَامَاتِ وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا هَدَى يُوسُفَ إِلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ وَالْفِكْرَةِ مَدَحَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَقَالَ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَأَيْضًا وَصَفَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ:
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ [الْأَنْعَامِ: 83] عِنْدَ إِيرَادِهِ ذِكْرَ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْبَرَاءَةِ عَنْ/ إِلَهِيَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَوَصَفَ هاهنا يُوسُفَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ لَمَّا هَدَاهُ إِلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ وَكَمْ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا عُلَمَاءَ فُضَلَاءَ، إِلَّا أَنَّ يُوسُفَ كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ لَا بِالْعِلْمِ فَقَالُوا: لَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْعِلْمِ لَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَحَصَلَ فَوْقَهُ عَلِيمٌ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا دَلَّتْ سَائِرُ الْآيَاتِ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِلْمِ للَّه تَعَالَى وَهِيَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لُقْمَانَ: 34] وأَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النِّسَاءِ: 166] وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة: 255] ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر: 11] وَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ فَنَحْنُ نَحْمِلُ الْآيَةَ الَّتِي تَمَسَّكَ الْخَصْمُ بِهَا عَلَى وَاقِعَةِ يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ خَاصَّةً غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْعَالِمَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمُشْتَقُّ مُرَكَّبٌ وَالْمُشْتَقُّ مِنْهُ مُفْرَدٌ، وَحُصُولُ الْمُرَكَّبِ بِدُونِ حُصُولِ الْمُفْرَدِ مُحَالٌ فِي بَدِيهَةِ الْعَقْلِ فكان الترجيح من جانبنا.

[سورة يوسف (12) : آية 77]
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77)
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الصُّوَاعُ مِنْ رَحْلِ أَخِي يُوسُفَ نَكَسَ إِخْوَتُهُ رؤسهم وَقَالُوا: هَذِهِ الْوَاقِعَةُ عَجِيبَةٌ أَنَّ رَاحِيلَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ لِصَّيْنِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي رَاحِيلَ مَا أَكْثَرَ الْبَلَاءَ عَلَيْنَا مِنْكُمْ، فَقَالَ بِنْيَامِينُ مَا أَكْثَرَ الْبَلَاءَ عَلَيْنَا مِنْكُمْ ذَهَبْتُمْ بِأَخِي وَضَيَّعْتُمُوهُ فِي الْمَفَازَةِ، ثُمَّ تَقُولُونَ لِي هَذَا الْكَلَامَ، قَالُوا لَهُ: فَكَيْفَ خَرَجَ الصُّوَاعُ مِنْ رحلك،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 489
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست