responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 483
عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ خَوْفَهُ مِنَ السُّقُوطِ مِنْهُ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّأْثِيرَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ مَوْجُودَةٌ، وَأَيْضًا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَصَوَّرَ كَوْنَ فُلَانٍ مُؤْذِيًا لَهُ حَصَلَ فِي قَلْبِهِ غَضَبٌ، وَيَسْخُنُ مِزَاجُهُ جِدًّا فَمَبْدَأُ تِلْكَ السُّخُونَةِ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ التَّصَوُّرَ النَّفْسَانِيَّ، وَلِأَنَّ مَبْدَأَ الْحَرَكَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَيْسَ إِلَّا التَّصَوُّرَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ تَصَوُّرَ النَّفْسِ يُوجِبُ تَغَيُّرَ بَدَنِهِ الْخَاصِّ لَمْ يَبْعُدْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النُّفُوسِ بِحَيْثُ تَتَعَدَّى تَأْثِيرَاتُهَا إِلَى سَائِرِ الْأَبْدَانِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ كَوْنُ النَّفْسِ مُؤَثِّرَةً فِي سَائِرِ الْأَبْدَانِ وَأَيْضًا جَوَاهِرُ النُّفُوسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالْمَاهِيَّةِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النُّفُوسِ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِ بَدَنِ حَيَوَانٍ آخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَرَاهُ وَيَتَعَجَّبَ مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ وَالتَّجَارِبُ مِنَ الزَّمَنِ الْأَقْدَمِ سَاعَدَتْ عَلَيْهِ وَالنُّفُوسُ النَّبَوِيَّةُ نَطَقَتْ بِهِ فَعِنْدَهُ لَا يَبْقَى فِي وُقُوعِهِ شَكٌّ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ كَلَامٌ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ: أَنَّ أَبْنَاءَ يَعْقُوبَ اشتهروا بمصر وتحدث الناس بهم وبحسهم وَكَمَالِهِمْ. فَقَالَ: لَا تَدْخُلُوا تِلْكَ الْمَدِينَةَ مِنْ بابٍ واحِدٍ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ وَالْهَيْئَةِ فَلَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهِمْ حَسَدَ النَّاسِ أَوْ يُقَالُ: لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخَافَهُمُ الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ عَلَى مُلْكِهِ فَيَحْبِسَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ مُحْتَمَلٌ لَا إِنْكَارَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِيهِ بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَالْمُفَسِّرُونَ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: خَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ، فَقَالَ: لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عِلْمِهِ وَقَالَ: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وَعَرَفَ أَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَكَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُ الْآيَةَ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ وَيَقُولُ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِبْطَالٌ لَهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ صَحَّ فاللَّه قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ أَثَرِهِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مَلِكَ مِصْرَ هُوَ وَلَدُهُ يُوسُفُ إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى مَا أَذِنَ لَهُ فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ فَلَمَّا بَعَثَ أَبْنَاءَهُ إِلَيْهِ قَالَ: لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَكَانَ غَرَضُهُ أَنْ يَصِلَ بِنْيَامِينُ إِلَى يُوسُفَ فِي وَقْتِ الْخَلْوَةِ، وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فَأَمَّا/ قَوْلُهُ: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُرَاعِيَ الْأَسْبَابَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَمَأْمُورٌ أَيْضًا بِأَنْ يَعْتَقِدَ وَيَجْزِمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَنَّ الْحَذَرَ لَا يُنْجِي مِنَ الْقَدَرِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْذَرَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُهْلِكَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ الضَّارَّةِ، وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّه وَلَا يَحْصُلُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّه فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى رِعَايَةِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَقَوْلُهُ: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْأَسْبَابِ وَإِلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ وَالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّه تَعَالَى وَقَوْلُ الْقَائِلِ: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَهَذَا السُّؤَالُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الطَّاعَاتِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ مَعَ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ السَّعِيدَ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَأَنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَكَذَا هاهنا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ وَنَحْتَرِزُ عَنِ السُّمُومِ وَعَنِ الدُّخُولِ فِي النَّارِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لَا يحصلان إلا بتقدير اللَّه تعالى، فكذا هاهنا. فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 483
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست