responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 472
50] وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ ذِكْرَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَسَتَرَ ذِكْرَهَا، وَتَعَرَّضَ لِأَمْرِ سَائِرِ النِّسْوَةِ مَعَ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا أَنْوَاعٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْبَلَاءِ/ وَهَذَا مِنَ الْأَدَبِ الْعَجِيبِ. وَرَابِعُهَا: بَرَاءَةُ حَالِهِ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التُّهَمِ فَإِنَّ الْخَصْمَ أَقَرَّ لَهُ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالْبَرَاءَةِ عَنِ الْجُرْمِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الشَّرَابِيَّ وَصَفَ لَهُ جِدَّهُ فِي الطَّاعَاتِ وَاجْتِهَادَهُ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الَّذِينَ كَانُوا فِي السِّجْنِ. وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ بَقِيَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُوجِبُ حُسْنَ الِاعْتِقَادِ فِي الْإِنْسَانِ، فَكَيْفَ مَجْمُوعُهَا، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ اعْتِقَادُ الْمَلِكِ فِيهِ وَإِذَا أَرَادَ اللَّه شَيْئًا جَمَعَ أَسْبَابَهُ وَقَوَّاهَا.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَمَّا ظَهَرَ لِلْمَلِكِ هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَغِبَ أَنْ يَتَّخِذَهُ لِنَفْسِهِ فَقَالَ:
ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي
رُوِيَ أَنَّ الرَّسُولَ قَالَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُمْ إِلَى الْمَلِكِ مُتَنَظِّفًا مِنْ دَرَنِ السِّجْنِ بِالثِّيَابِ النَّظِيفَةِ وَالْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ فَكَتَبَ عَلَى بَابِ السِّجْنِ هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِخَيْرِكَ مِنْ خَيْرِهِ وَأَعُوذُ بِعِزَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ مِنْ شَرِّهِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالِاسْتِخْلَاصُ طَلَبُ خُلُوصِ الشَّيْءِ مِنْ شَوَائِبِ الِاشْتِرَاكِ وَهَذَا الْمَلِكُ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ يُوسُفُ لَهُ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ
لِأَنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِالْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ الرَّفِيعَةِ فَلَمَّا عَلِمَ الْمَلِكُ أَنَّهُ وَحِيدُ زَمَانِهِ وَفَرِيدُ أَقْرَانِهِ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ.
رُوِيَ أَنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَأُحِبُّ أَنْ تُشْرِكَنِي فِيهِ إِلَّا فِي أَهْلِي وَفِي أَنْ لَا تَأْكُلَ مَعِي فَقَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمَا تَرَى أَنْ آكُلَ مَعَكَ، وَأَنَا يوسف بن يعقوب بن إسحاق الذبيح بن إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ
وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ فَلَمَّا كَلَّمَ الْمَلِكُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا لِأَنَّ فِي مَجَالِسِ الْمُلُوكِ لَا يَحْسُنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْكَلَامِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَبْتَدِئُ بِهِ هُوَ الْمَلِكُ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ: فَلَمَّا كَلَّمَ يُوسُفُ الْمَلِكَ
قِيلَ: لَمَّا صَارَ يُوسُفُ إِلَى الْمَلِكِ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَلَمَّا رَآهُ الْمَلِكُ حَدَثًا شَابًّا قَالَ لِلشَّرَابِيِّ: هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ تَأْوِيلَ رُؤْيَايَ مَعَ أَنَّ السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ مَا عَلِمُوهَا قَالَ نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا مِنْكَ شِفَاهًا،
فَأَجَابَ بِذَلِكَ الْجَوَابِ شِفَاهًا وَشَهِدَ قَلْبُهُ بِصِحَّتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ يُقَالُ: فُلَانٌ مَكِينٌ عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ الْمَكَانَةِ أَيِ الْمَنْزِلَةِ، وَهِيَ حَالَةٌ يَتَمَكَّنُ بِهَا صَاحِبُهَا مِمَّا يُرِيدُ. وَقَوْلُهُ: أَمِينٌ أَيْ قَدْ عَرَفْنَا أَمَانَتَكَ وَبَرَاءَتَكَ مِمَّا نُسِبْتَ إِلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: مَكِينٌ أَمِينٌ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ مَكِينًا مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ. أَمَّا الْقُدْرَةُ فَلِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ الْمُكْنَةُ. وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا يَنْبَغِي وَبِمَا لَا يَنْبَغِي لَا يُمْكِنُهُ تَخْصِيصُ مَا يَنْبَغِي/ بِالْفِعْلِ، وَتَخْصِيصُ مَا لَا يَنْبَغِي بِالتَّرْكِ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ مَكِينًا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ. أَمَّا كَوْنُهُ أَمِينًا فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ حَكِيمًا لَا يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِدَاعِي الشَّهْوَةِ بَلْ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِدَاعِي الْحِكْمَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ مَكِينًا أَمِينًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا، وَعَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَوَاقِعِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَعَلَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ يَفْعَلُ لِدَاعِي الْحِكْمَةِ لَا لِدَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلُ الشَّرِّ وَالسَّفَهِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمَّا حَاوَلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِثْبَاتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِقُبْحِ الْقَبِيحِ عَالِمٌ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ وَكُلُّ مَنْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 472
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست