responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 466
النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُقَالُ: غَاثَ اللَّه الْبِلَادَ يَغِيثُهَا غَيْثًا إِذَا أَنْزَلَ فِيهَا الْغَيْثَ وَقَدْ غِيثَتِ الْأَرْضُ تُغَاثُ، وَقَوْلُهُ: يُغاثُ النَّاسُ مَعْنَاهُ يُمْطَرُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ/ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَغَاثَهُ اللَّه إِذَا أَنْقَذَهُ مِنْ كَرْبٍ أَوْ غَمٍّ، وَمَعْنَاهُ يُنْقَذُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ كَرْبِ الْجَدْبِ، وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ أَيْ يَعْصِرُونَ السِّمْسِمَ دُهْنًا وَالْعِنَبَ خَمْرًا وَالزَّيْتُونَ زَيْتًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الْجَدْبِ وَحُصُولِ الْخِصْبِ وَالْخَيْرِ، وَقِيلَ:
يَحْلِبُونَ الضُّرُوعَ، وَقُرِئَ يَعْصِرُونَ مِنْ عَصَرَهُ إِذَا نَجَّاهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُمْطَرُونَ مِنْ أَعْصَرَتِ السَّحَابَةُ إِذَا أَعْصَرَتْ بِالْمَطَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [النبأ: 14] .

[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 52]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ الشَّرَابِيُّ إِلَى الْمَلِكِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ التَّعْبِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَحْسَنَهُ الْمَلِكُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ عِلْمَهُ سَبَبًا لِخَلَاصِهِ مِنَ الْمِحْنَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ سَبَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْمِحَنِ الْأُخْرَوِيَّةِ، فَعَادَ الشَّرَابِيُّ إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ أَجِبِ الْمَلِكَ، فَأَبَى يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ وَتَزُولَ التُّهْمَةُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ.
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَكَرَمِهِ وَصَبْرِهِ واللَّه يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْبَقَرَاتِ الْعِجَافِ وَالسِّمَانِ وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَمَا أَخْبَرْتُهُمْ حَتَّى اشْتَرَطْتُ أَنْ يخرجوا لي وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ وَلَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ وَلَبِثْتُ في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة وَبَادَرْتُهُمْ إِلَى الْبَابِ وَلَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ يُوسُفُ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّوَقُّفِ إِلَى أَنْ تَفَحَّصَ الْمَلِكُ عَنْ حَالِهِ هُوَ اللَّائِقُ بِالْحَزْمِ وَالْعَقْلِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ فِي الْحَالِ فَرُبَّمَا كَانَ يَبْقَى فِي قَلْبِ الْمَلِكِ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ أَثَرُهَا، فَلَمَّا الْتَمَسَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَتَفَحَّصَ عَنْ حَالِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ فَبَعْدَ خُرُوجِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُلَطِّخَهُ بِتِلْكَ الرَّذِيلَةِ وَأَنْ يَتَوَسَّلَ بِهَا إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي بَقِيَ فِي السِّجْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِذَا طَلَبَهُ الْمَلِكُ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُبَادِرُ بالخروج، فحيث لم يخرج عرف مِنْهُ كَوْنُهُ فِي نِهَايَةِ الْعَقْلِ وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَذَلِكَ يَصِيرُ سَبَبًا لِأَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التُّهَمِ، وَلِأَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِيهِ كَانَ كَذِبًا وَبُهْتَانًا. الثَّالِثُ: أَنَّ الْتِمَاسَهُ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يَتَفَحَّصَ عَنْ حَالِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْوَةِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى شِدَّةِ طَهَارَتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ مُلَوَّثًا بِوَجْهٍ مَا، لَكَانَ خَائِفًا أَنْ يَذْكُرَ مَا سَبَقَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ حِينَ قَالَ لِلشَّرَابِيِّ: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَبَقِيَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي السجن بضع سنين وهاهنا طَلَبَهُ الْمَلِكُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يُقِمْ لِطَلَبِهِ وَزْنًا، وَاشْتَغَلَ بِإِظْهَارِ بَرَاءَتِهِ عَنِ التُّهْمَةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ غَرَضُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ الْتِفَاتٌ إِلَى رَدِّ الْمَلِكِ وَقَبُولِهِ، وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ جَارِيًا مَجْرَى التَّلَافِي لِمَا صَدَرَ مِنَ التَّوَسُّلِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: اذْكُرْنِي عِنْدَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 466
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست