responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 458
وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَصْنَامًا عَلَى صُورَةِ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ/ وَيَعْبُدُونَهَا وَيَتَوَقَّعُونَ حُصُولَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ مِنْهَا لَا جَرَمَ كَانَ سَعْيُ أَكْثَرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْمَنْعِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ فِي زَمَانِ يُوسُفَ عليه السلام، فلهذا السبب شرع هاهنا فِي ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْحُجَجِ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ كَثْرَةَ الْآلِهَةِ تُوجِبُ الْخَلَلَ وَالْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: 22] فَكَثْرَةُ الْآلِهَةِ تُوجِبُ الْفَسَادَ وَالْخَلَلَ، وَكَوْنُ الْإِلَهِ وَاحِدًا يَقْتَضِي حُصُولَ النِّظَامِ وَحُسْنَ التَّرْتِيبِ فَلَمَّا قَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سائر الآيات قال هاهنا: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ.
وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ مَعْمُولَةٌ لَا عَامِلَةٌ وَمَقْهُورَةٌ لَا قَاهِرَةٌ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ كَسْرَهَا وَإِبْطَالَهَا قَدَرَ عَلَيْهَا فَهِيَ مَقْهُورَةٌ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَلَا يَتَوَقَّعُ حُصُولَ مَنْفَعَةٍ وَلَا مَضَرَّةٍ مِنْ جِهَتِهَا وَإِلَهُ الْعَالَمِ فَعَّالٌ قَهَّارٌ قَادِرٌ يَقْدِرُ عَلَى إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الشُّرُورِ وَالْآفَاتِ فَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ عِبَادَةَ الْآلِهَةِ الْمَقْهُورَةِ الذَّلِيلَةِ خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ اللَّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَقَوْلُهُ: أَأَرْبابٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَثْرَةِ فَجَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَوْنَهُ تَعَالَى وَاحِدًا وَقَوْلُهُ: مُتَفَرِّقُونَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهَا مُخْتَلِفَةً فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَاللَّوْنِ وَالشَّكْلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ أَنَّ النَّاحِتَ وَالصَّانِعَ يَجْعَلُهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فَقَوْلُهُ: مُتَفَرِّقُونَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهَا مَقْهُورَةً عَاجِزَةً وَجَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَوْنَهُ تَعَالَى قَهَّارًا فَبِهَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي شَرَحْنَاهُ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ.
وَالْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى وَاحِدًا يُوجِبُ عِبَادَتَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَانٍ لَمْ نَعْلَمْ مَنِ الَّذِي خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَدَفَعَ الشُّرُورَ وَالْآفَاتِ عَنَّا، فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي أَنَّا نَعْبُدُ هَذَا أَمْ ذَاكَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَحْصُلَ الْمُسَاعَدَةُ عَلَى كَوْنِهَا نَافِعَةً ضَارَّةً إِلَّا أَنَّهَا كَثِيرَةٌ فَحِينَئِذٍ لَا نَعْلَمُ أَنَّ نَفْعَنَا وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنَّا حَصَلَ مِنْ هَذَا الصَّنَمِ أَوْ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ أَوْ حَصَلَ بِمُشَارَكَتِهِمَا وَمُعَاوَنَتِهِمَا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الشَّكُّ فِي أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ هَذَا أَمْ ذَاكَ أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَعْبُودُ وَاحِدًا ارْتَفَعَ هَذَا الشَّكُّ وَحَصَلَ الْيَقِينُ فِي أنه لا يستحق للعبادة إِلَّا هُوَ وَلَا مَعْبُودَ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَالْكَائِنَاتِ إِلَّا هُوَ، فَهَذَا أَيْضًا وَجْهٌ لَطِيفٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُسَاعِدَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ تَنْفَعُ وَتَضُرُّ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الطَّلْسَمَاتِ إِلَّا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهَا تَنْفَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَبِحَسَبِ آثَارٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْإِلَهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ فَهُوَ قَهَّارٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَافِذُ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ فِي كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَتِهِ أَوْلَى.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: وَهِيَ شَرِيفَةٌ عَالِيَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَهَّارِ أَنْ لَا يَقْهَرَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ قَهَّارًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَكَانَ مَقْهُورًا لَا قَاهِرًا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا، إِذْ لَوْ حَصَلَ فِي الْوُجُودِ وَاجِبَانِ لَمَا كَانَ قَاهِرًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، فَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ قَهَّارًا إِلَّا إِذَا كَانَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ وَكَانَ وَاحِدًا، وَإِذَا كَانَ الْمَعْبُودُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ شَيْئًا غَيْرَ الْفَلَكِ وَغَيْرَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَغَيْرَ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكَوَاكِبِ فَهِيَ أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ وَهِيَ لَيْسَتْ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا قَهَّارَةٌ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الطَّبَائِعِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ فَهَذَا الْحَرْفُ الْوَاحِدُ كَافٍ فِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 458
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست