responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 446
أَوْلَى، فَلَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ الْأَمَارَاتُ الْكَثِيرَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ مَبْدَأَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ كَانَ مِنَ الْمَرْأَةِ اسْتَحْيَا الزَّوْجُ وَتَوَقَّفَ وَسَكَتَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ يُوسُفَ صَادِقٌ وَالْمَرْأَةَ كَاذِبَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَلِيلًا آخَرَ يُقَوِّي تِلْكَ الدَّلَائِلَ الْمَذْكُورَةَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ عَنِ الذَّنْبِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمُذْنِبَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وَفِي هَذَا الشَّاهِدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ لَهَا ابْنُ عَمٍّ وَكَانَ رَجُلًا حَكِيمًا وَاتَّفَقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمَلِكِ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا فَقَالَ قَدْ سَمِعْنَا الْجَلَبَةَ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ وَشَقَّ الْقَمِيصِ إِلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي أَيَّكُمَا قُدَّامَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ شَقُّ الْقَمِيصِ مِنْ قُدَّامِهِ فَأَنْتِ صَادِقَةٌ وَالرَّجُلُ كَاذِبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَلْفِهِ فَالرَّجُلُ صَادِقٌ وَأَنْتِ كَاذِبَةٌ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْقَمِيصِ وَرَأَوُا الشَّقَّ مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ ابْنُ عَمِّهَا: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ أَيْ مِنْ عَمَلِكُنَّ. ثُمَّ قَالَ لِيُوسُفَ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاكْتُمْهُ، وَقَالَ لَهَا اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ أَيْضًا مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ: أَنَّ ذَلِكَ الشَّاهِدَ كَانَ صَبِيًّا أَنْطَقَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْمَهْدِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ شَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ قَالَ الْجُبَّائِيُّ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَنْطَقَ الطِّفْلَ بِهَذَا الْكَلَامِ لَكَانَ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ كَافِيًا وَبُرْهَانًا قَاطِعًا، لِأَنَّهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ الْقَاهِرَةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِتَمْزِيقِ الْقَمِيصِ مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ ضَعِيفٌ وَالْعُدُولُ عَنِ الْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ حَالَ حُضُورِهَا وَحُصُولِهَا إِلَى الدَّلَالَةِ الظَّنِّيَّةِ لَا يَجُوزُ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ أَهْلِهَا/ لِيَكُونَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَرْأَةِ وَمِنْ أَهْلِهَا أَنْ لَا يَقْصِدَهَا بِالسُّوءِ وَالْإِضْرَارِ، فَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهَا تَقْوِيَةَ قَوْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَهَذِهِ التَّرْجِيحَاتُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا عِنْدَ كَوْنِ الدَّلَالَةِ ظَنِّيَّةً، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ صَادِرًا عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي فِي الْمَهْدِ لَكَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً قَاطِعَةً وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِهَذَا الْقَيْدِ أَثَرٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الشَّاهِدِ لَا يَقَعُ فِي الْعُرْفِ إِلَّا عَلَى مَنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْوَاقِعَةِ وَإِحَاطَةٌ بِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ الشَّاهِدَ هُوَ الْقَمِيصُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الشَّاهِدُ كَوْنُ قَمِيصِهِ مَشْقُوقًا مِنْ دُبُرٍ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُوصَفُ بِهَذَا وَلَا يُنْسَبُ إِلَى الْأَهْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ أَيْضًا إِشْكَالٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَدُلُّ قَطْعًا عَلَى بَرَاءَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قَصَدَ الْمَرْأَةَ لِطَلَبِ الزِّنَا فَالْمَرْأَةُ غَضِبَتْ عَلَيْهِ فَهَرَبَ الرَّجُلُ فَعَدَتِ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الرَّجُلِ وَجَذَبَتْهُ لِقَصْدِ أَنْ تَضْرِبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْقَمِيصُ مُتَخَرِّقًا مِنْ دُبُرٍ مَعَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ بَرِيَّةً عَنِ الذَّنْبِ وَالرَّجُلَ يَكُونُ مُذْنِبًا.
وَجَوَابُهُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ عَلَامَاتِ كَذِبِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ كَثِيرَةً بَالِغَةً مَبْلَغَ الْيَقِينِ فَضَمُّوا إِلَيْهَا هَذِهِ الْعَلَامَةَ الْأُخْرَى لَا لِأَجْلِ أَنْ يُعَوِّلُوا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا، بَلْ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى الْمُقَوِّيَاتِ وَالْمُرَجِّحَاتِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ وَقَالَ: فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ السَّيِّدَ الَّذِي هُوَ زَوْجُهَا وَيَحْتَمِلُ الشَّاهِدَ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ أَيْ أَنَّ قَوْلَكِ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا فَكَيْفَ وَصَفَ كَيْدَ الْمَرْأَةِ بِالْعِظَمِ، وَأَيْضًا فَكَيْدُ الرِّجَالِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى كَيْدِ النِّسَاءِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 446
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست