responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 406
الثَّانِيَةُ الدَّاخِلَةُ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ. وَسَابِعُهَا: النُّونُ الْمُؤَكِّدَةُ فِي قَوْلِهِ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّبْعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوْكِيدِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ تَدَلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَأَمْرِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وهو من أعظم المؤكدات.

[سورة هود (11) : الآيات 112 الى 113]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
[في قوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَطْنَبَ فِي شَرْحِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ قَالَ لرسوله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وهذ الْكَلِمَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ، سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ أَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِتَبْلِيغِ الْوَحْيِ وَبَيَانِ الشَّرَائِعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ الْحَقِيقِيَّةِ مُشْكِلٌ جِدًّا وَأَنَا أَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالًا يُقَرِّبُ صُعُوبَةَ هَذَا الْمَعْنَى إِلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ، وَهُوَ أَنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الظِّلِّ وَبَيْنَ الضَّوْءِ جُزْءٌ وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فِي الْعَرْضِ، إِلَّا أَنَّ عَيْنَ ذَلِكَ الْخَطِّ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ فِي الْحِسِّ عَنْ طَرَفَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَرُبَ طَرَفُ الظِّلِّ مِنْ طَرَفِ الضَّوْءِ اشْتَبَهَ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فِي الْحِسِّ، فَلَمْ يَقَعِ الْحِسُّ عَلَى إِدْرَاكِ ذَلِكَ الْخَطِّ بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فِي الْمِثَالِ فَاعْرِفْ مِثَالَهُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْعُبُودِيَّةِ، فَأَوَّلَهَا: مَعْرِفَةُ اللَّه تَعَالَى وَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى وَجْهٍ يُبْقِي الْعَبْدَ مَصُونًا فِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَفِي طَرَفِ النَّفْيِ عَنِ التَّعْطِيلِ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ، وَاعْتَبِرْ سَائِرَ مَقَامَاتِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ نَفْسِكَ، وَأَيْضًا فَالْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ وَالْقُوَّةُ الشَّهْوَانِيَّةُ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَرَفَا إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ وَهُمَا مَذْمُومَانِ، وَالْفَاصِلُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَمِيلُ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِ صَعْبٌ ثُمَّ الْعَمَلُ بِهِ أَصْعَبُ، فَثَبَتَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ، بِتَقْدِيرِ مَعْرِفَتِهِ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ أَصْعَبُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَقَامُ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ لَا جَرَمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ وَلَا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِهَذَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا،
وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ لَهُ: رُوِيَ عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا فَقَالَ: «نَعَمْ» فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ آيَةٍ؟ فَقَالَ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِأَعْمَالِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبَةً فِي اللَّفْظِ وَجَبَ اعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ فِيهَا لِقَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلَمَّا وَرَدَ الْأَمْرُ فِي الزَّكَاةِ بِأَدَاءِ الْإِبِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مِنَ الْبَقَرِ وَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا وَرَدَ أَمْرُ اللَّه تَعَالَى بِهِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عُمُومُ النَّصِّ عَلَى حُكْمٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ لِقَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَالْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ انْحِرَافٌ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: مَنْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ وَأَغْنَى الْوَصْلُ بِالْجَارِّ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِضَمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ أَيْ فَاسْتَقِمْ أنت

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 406
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست