responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 358
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَدَحَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ قِرَاءَةَ عَمَلٌ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَوْدَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ إِمَّا إِلَى ابْنِ نُوحٍ وَإِمَّا إِلَى ذَلِكَ السُّؤَالِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى ابْنِ نُوحٍ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِضْمَارٍ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضرورة هاهنا، لِأَنَّا إِذَا حَكَمْنَا بِعَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَدِ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذَا الضَّمِيرِ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى هَذَا السُّؤَالِ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، أَيْ قَوْلُكَ: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي لِطَلَبِ نَجَاتِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ ذَنْبًا وَمَعْصِيَةً.
الوجه الثاني: أن قوله: فَلا تَسْئَلْنِ نَهْيٌ لَهُ عَنِ السُّؤَالِ، وَالْمَذْكُورُ السَّابِقُ هُوَ قَوْلُهُ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ فَكَانَ ذَلِكَ السُّؤَالُ ذَنْبًا وَمَعْصِيَةً.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أن قوله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ كَانَ قَدْ صَدَرَ لَا عَنِ الْعِلْمِ، وَالْقَوْلُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ ذَنْبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ: 169] .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ/ كَانَ مَحْضَ الْجَهْلِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ التَّقْرِيعِ وَنِهَايَةِ الزَّجْرِ، وَأَيْضًا جَعْلُ الْجَهْلِ كِنَايَةً عَنِ الذَّنْبِ مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ [النِّسَاءِ: 17] وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْبَقَرَةِ: 67] .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتَرَفَ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فإنه قال: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَاعْتِرَافُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُذْنِبًا.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: فِي التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُوحًا نَادَى رَبَّهُ لِطَلَبِ تَخْلِيصِ وَلَدِهِ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ قوله: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وقال: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا تَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ مِنَ ابْنِهِ الْمُوَافَقَةَ. فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ طَلَبَ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللَّه كَانَ سَابِقًا عَلَى طَلَبِهِ مِنَ الْوَلَدِ أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللَّه تَعَالَى سَابِقًا عَلَى طَلَبِهِ مِنَ الِابْنِ لَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنَ اللَّه أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُخَلِّصُ ذَلِكَ الِابْنَ مِنَ الْغَرَقِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ الطلب، وبعد هذا كيف قال له: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الطَّلَبَ مِنَ الِابْنِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنَ الِابْنِ قَوْلَهُ: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ وَظَهَرَ بِذَلِكَ كُفْرُهُ، فَكَيْفَ طَلَبَ مِنَ اللَّه تَخْلِيصَهُ، وَأَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ نُوحًا لَمَّا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ وَامْتَنَعَ هُوَ صَارَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنَ اللَّه تَخْلِيصَهُ مِنَ الْغَرَقِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ تَدَلُّ عَلَى صُدُورِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ عَلَى وُجُوبِ تَنْزِيهِ اللَّه تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنَ الْمَعَاصِي، وَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ، وَحَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَصَلَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 358
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست