responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 316
الْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُهُمْ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا اسْتَأْصَلَ أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ كَفَرُوا. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى يُوَصِّلُ إِلَيْهِمُ الرِّزْقَ كَيْفَ كَانَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه: 132] الثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُشْتَغِلَ بِعِبَادَةِ اللَّه وَبِمَحَبَّةِ اللَّه مُشْتَغِلٌ بِحُبِّ شَيْءٍ يَمْتَنِعُ تَغَيُّرُهُ وَزَوَالُهُ وَفَنَاؤُهُ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِمْعَانُهُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ أَكْثَرَ وَتَوَغُّلُهُ فِيهِ أَتَمَّ كَانَ انْقِطَاعُهُ عَنِ الْخَلْقِ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ، وَكُلَّمَا كَانَ الْكَمَالُ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ، كَانَ الِابْتِهَاجُ وَالسُّرُورُ أَتَمَّ، لِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ تَغَيُّرِ مَطْلُوبِهِ، وَأَمِنَ مِنْ زَوَالِ مَحْبُوبِهِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِحُبِّ غَيْرِ اللَّه، كَانَ أَبَدًا فِي أَلَمِ الْخَوْفِ مِنْ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ وَزَوَالِهِ، فَكَانَ عَيْشُهُ مُنَغَّصًا وَقَلْبُهُ مُضْطَرِبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِخِدْمَتِهِ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النَّحْلِ: 97] .
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَجَلَيْنِ، وَأَنَّهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ؟
وَالْجَوَابُ: لَا وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لَوِ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ لَكَانَ أَجَلُهُ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ، وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا لَكَانَ أَجَلُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا فَإِنَّ أَجَلَهُ لَيْسَ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، فَثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَجَلًا وَاحِدًا فَقَطْ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ سَمَّى مَنَافِعَ الدُّنْيَا بِالْمَتَاعِ؟
الْجَوَابُ: لِأَجْلِ التَّنْبِيهِ عَلَى حَقَارَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَنَبَّهَ عَلَى كَوْنِهَا مُنْقَضِيَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى كَوْنِهَا حَقِيرَةً خَسِيسَةً مُنْقَضِيَةً، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ قَالَ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ السَّعَادَاتُ الْأُخْرَوِيَّةُ، وَفِيهَا لَطَائِفُ وَفَوَائِدُ.
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أَنَّ قَوْلَهُ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ مَعْنَاهُ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلِ مُوجِبَ فَضْلِهِ وَمَعْلُولَهُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ فِي نِهَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ اللَّه وَكَانَ فِي غَايَةِ الرَّغْبَةِ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ قَلْبُهُ فَصًّا لِنَقْشِ الْمَلَكُوتِ وَمِرْآةً يَتَجَلَّى بِهَا قُدْسُ اللَّاهُوتِ، إِلَّا أَنَّ الْعَلَائِقَ الْجَسَدَانِيَّةَ الظُّلْمَانِيَّةَ تُكَدِّرُ تِلْكَ الْأَنْوَارَ الرُّوحَانِيَّةَ، فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْعَلَائِقُ أَشْرَقَتْ تِلْكَ الْأَنْوَارُ وَتَلَأْلَأَتْ تِلْكَ الْأَضْوَاءُ وَتَوَالَتْ مُوجِبَاتُ السَّعَادَاتِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَرَاتِبَ السَّعَادَاتِ فِي الْآخِرَةِ مُخْتَلِفَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارِ الدَّرَجَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا كَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْ غَيْرِ الْحَقِّ وَالْإِقْبَالُ عَلَى عُبُودِيَّةِ الْحَقِّ دَرَجَاتٍ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكَذَلِكَ مَرَاتِبُ السَّعَادَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي مَنَافِعِ الدُّنْيَا: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً وَقَالَ فِي سَعَادَاتِ الْآخِرَةِ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَيْسَ إِلَّا منه وليس إلا بإيجاده وتكوينه وإعطاءه وَجُودِهِ. وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: لَوْلَا الْأَسْبَابُ لَمَا ارْتَابَ مُرْتَابٌ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ عُقُولُهُمْ ضَعِيفَةٌ وَاشْتِغَالُ عُقُولِهِمْ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ الْفَانِيَةِ يُعْمِيهَا عَنْ مُشَاهَدَةِ أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَوَغَّلُوا فِي الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَخَاضُوا فِي بِحَارِ أَنْوَارِ الْحَقِيقَةِ عَلِمُوا أَنَّ مَا سِوَاهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ مَوْجُودٌ بِإِيجَادِهِ، فَانْقَطَعَ نظرهم

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست