responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 313
فَقَدْ حَصَلَ الْإِحْكَامُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ أَلْفَاظَ هَذِهِ الْآيَاتِ بَلَغَتْ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْجَزَالَةِ إِلَى حَيْثُ لَا تَقْبَلُ الْمُعَارَضَةَ، وَهَذَا أَيْضًا مُشْعِرٌ بِالْقُوَّةِ وَالْإِحْكَامِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْعُلُومَ الدِّينِيَّةَ إِمَّا نَظَرِيَّةٌ وَإِمَّا عَمَلِيَّةٌ أَمَّا النَّظَرِيَّةُ فَهِيَ مَعْرِفَةُ الْإِلَهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهَذَا الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَرَائِفِ هَذِهِ الْعُلُومِ وَلَطَائِفِهَا، وَأَمَّا الْعَمَلِيَّةُ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ تَهْذِيبِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ الْفِقْهُ، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علمي التَّصْفِيَةِ وَرِيَاضَةُ النَّفْسِ، وَلَا نَجِدُ كِتَابًا فِي الْعَالَمِ يُسَاوِي هَذَا الْكِتَابَ فِي هَذِهِ الْمَطَالِبِ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَشْرَفِ الْمَطَالِبِ الرُّوحَانِيَّةِ وَأَعْلَى الْمَبَاحِثِ الْإِلَهِيَّةِ، فَكَانَ كِتَابًا مُحْكَمًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ وَالْهَدْمِ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي تَفْسِيرِ الْمُحْكَمِ ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آلِ عِمْرَانَ: 7] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: فُصِّلَتْ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ فُصِّلَ كَمَا تُفَصَّلُ الدَّلَائِلُ بِالْفَوَائِدِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَهِيَ دَلَائِلُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا جُعِلَتْ فُصُولًا سُورَةً سُورَةً، وَآيَةً آيَةً. الثَّالِثُ: فُصِّلَتْ بِمَعْنَى أَنَّهَا فُرِّقَتْ فِي التَّنْزِيلِ وَمَا نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ [الْأَعْرَافِ: 133] وَالْمَعْنَى مَجِيءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَفَرِّقَةً مُتَعَاقِبَةً. الرَّابِعُ: فَصْلُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ أَيْ جُعِلَتْ مُبَيِّنَةً مُلَخِّصَةً. الْخَامِسُ: جُعِلَتْ فُصُولًا حَلَالًا وَحَرَامًا، وَأَمْثَالًا وَتَرْغِيبًا، وَتَرْهِيبًا وَمَوَاعِظَ، وَأَمْرًا وَنَهْيًا لِكُلِّ مَعْنًى فِيهَا فَصْلٌ، قَدْ أُفْرِدَ بِهِ غَيْرَ مُخْتَلِطٍ بِغَيْرِهِ حَتَّى تُسْتَكْمَلَ فَوَائِدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، / وَيَحْصُلَ الْوُقُوفُ عَلَى كُلِّ بَابٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَعْنَى ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ فُصِّلَتْ لَيْسَ لِلتَّرَاخِي فِي الْوَقْتِ، لَكِنْ فِي الْحَالِ كَمَا تَقُولُ: هِيَ مُحْكَمَةٌ أَحْسَنَ الْإِحْكَامِ، ثُمَّ مُفَصَّلَةٌ أَحْسَنَ التَّفْصِيلِ، وَكَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ كَرِيمُ الْأَصْلِ ثُمَّ كَرِيمُ الْفِعْلِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ أَيْ أَحْكَمْتُهَا أَنَا ثُمَّ فَصَّلْتُهَا، وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ ثُمَّ فُصِّلَتْ أَيْ فَرَقْتُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُحْكَمُ: هُوَ الَّذِي أَتْقَنَهُ فَاعِلُهُ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُحْدِثُ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْكَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَفْعَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ مَوْجُودًا غَيْرَ مُحْكَمٍ ثُمَّ جَعَلَهُ اللَّه مُحْكَمًا، لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي فِي بَعْضِهِ الَّذِي جَعَلَهُ مُحْكَمًا أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْقُرْآنَ بَعْضُهُ قَدِيمٌ وَبَعْضُهُ مُحْدَثٌ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ:
ثُمَّ فُصِّلَتْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ انْفِصَالٌ وَافْتِرَاقٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِانْفِصَالَ وَالِافْتِرَاقَ إِنَّمَا حَصَلَ بِجَعْلِ جَاعِلٍ، وَتَكْوِينِ مُكَوِّنٍ، وَذَلِكَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ وَالْمُرَادُ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَصَلَ مِنْ عِنْدِ قَدِيمٍ آخَرَ، لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا قَدِيمَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذِهِ النُّعُوتَ عَائِدَةٌ إِلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَنَحْنُ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي نَدَّعِي قِدَمَهُ أَمْرٌ آخَرُ سِوَى هَذِهِ الحروف والأصوات.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست