responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 300
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ: فِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْخِطَابِ مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقِيلَ غَيْرُهُ، أَمَّا مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ: فَاخْتَلَفُوا عَلَى وُجُوهٍ.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [الْأَحْزَابِ: 1] وَكَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: 65] وكقوله:
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [الْمَائِدَةِ: 116] وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ الْمَشْهُورَةِ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وُجُوهٌ: الأول: قوله تعالى في آخر السورة يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي [يُونُسَ: 104] فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي أول الآية على سبيل الزمر، هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِ. الثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ لَوْ كَانَ شَاكًّا فِي نُبُوَّةِ نَفْسِهِ لَكَانَ شَكُّ غَيْرِهِ فِي نُبُوَّتِهِ أَوْلَى وَهَذَا يُوجِبُ سُقُوطَ الشَّرِيعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي نُبُوَّةِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَزُولُ ذَلِكَ الشَّكُّ بِأَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ نُبُوَّتِهِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْأَكْثَرِ كُفَّارٌ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِمْ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَالْكُلُّ مُصَحَّفٌ مُحَرَّفٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ أَنَّ الْخِطَابَ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأُمَّةُ، وَمِثْلُ هَذَا مُعْتَادٌ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْكَبِيرَ إِذَا كَانَ لَهُ أَمِيرٌ، / وَكَانَ تَحْتَ رَايَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ جَمْعٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ الرَّعِيَّةَ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّهُ لَا يُوَجِّهُ خِطَابَهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ يُوَجِّهُ ذَلِكَ الْخِطَابَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمِيرِ الَّذِي جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْوَى تَأْثِيرًا فِي قُلُوبِهِمْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَشُكَّ فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ مَتَى سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ، فَإِنَّهُ يُصَرِّحُ
وَيَقُولُ: «يَا رَبِّ لَا أَشُكُّ وَلَا أَطْلُبُ الْحُجَّةَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَلْ يَكْفِينِي مَا أَنْزَلْتَهُ عَلَيَّ مِنَ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ»
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ [سبأ: 40] والمقصود أَنْ يُصَرِّحُوا بِالْجَوَابِ الْحَقِّ وَيَقُولُوا: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سَبَأٍ: 41] وَكَمَا قَالَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْمَائِدَةِ: 116] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يُصَرِّحَ عِيسَى عليه السلام بالبراءة عن ذلك فكذا هاهنا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مِنَ الْبَشَرِ، وَكَانَ حُصُولُ الْخَوَاطِرِ الْمُشَوَّشَةِ وَالْأَفْكَارِ الْمُضْطَرِبَةِ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْجَائِزَاتِ، وَتِلْكَ الْخَوَاطِرُ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِإِيرَادِ الدَّلَائِلِ وَتَقْرِيرِ الْبَيِّنَاتِ، فَهُوَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّقْرِيرَاتِ حَتَّى إِنَّ بِسَبَبِهَا تَزُولُ عَنْ خَاطِرِهِ تِلْكَ الْوَسَاوِسُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [هُودٍ: 12] وَأَقُولُ تَمَامُ التَّقْرِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ فَافْعَلْ كَذَا وَكَذَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ وَالْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ لَا إِشْعَارَ فِيهَا الْبَتَّةَ بِأَنَّ الشَّرْطَ وَقَعَ أَوْ لَمْ يَقَعْ. وَلَا بِأَنَّ الْجَزَاءَ وَقَعَ أَوْ لَمْ يَقَعْ بَلْ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا بَيَانُ أَنَّ مَاهِيَّةَ ذَلِكَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَاهِيَّةِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ فَقَطْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ إِنْ كَانَتِ الْخَمْسَةُ زَوْجًا كَانَتْ مُنْقَسِمَةً بِمُتَسَاوِيَيْنِ، فَهُوَ كَلَامٌ حَقٌّ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَ الْخَمْسَةِ زَوْجًا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مُنْقَسِمَةً بِمُتَسَاوِيَيْنِ، ثُمَّ لَا يَدُلُّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ زَوْجٌ وَلَا عَلَى أَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ بِمُتَسَاوِيَيْنِ فكذا هاهنا هَذِهِ الْآيَةُ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ هَذَا الشَّكُّ لَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ هُوَ فِعْلَ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَّا أَنَّ هَذَا الشَّكَّ وَقَعَ أَوْ لَمْ يَقَعْ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَالْفَائِدَةُ فِي إِنْزَالِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الرَّسُولِ أَنَّ تَكْثِيرَ الدَّلَائِلِ وَتَقْوِيَتَهَا مِمَّا يَزِيدُ فِي قُوَّةِ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ وَسُكُونِ الصَّدْرِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ أَكْثَرَ اللَّه فِي كِتَابِهِ مِنْ تَقْرِيرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست