responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 299
وَالْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، كَمَا قَالَ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا [الْأَعْرَافِ: 137] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ وَالْمُرَادُ أَنَّ قَوْمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَقُوا عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَقَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ حَتَّى قَرَءُوا التَّوْرَاةَ، فَحِينَئِذٍ تَنَبَّهُوا لِلْمَسَائِلِ وَالْمَطَالِبِ وَوَقَعَ/ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَبْقَى فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَهَذَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَبَنُو قَيْنُقَاعٍ أَنْزَلْنَاهُمْ مَنْزِلَ صِدْقٍ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَالْمُرَادُ مَا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مِنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ الَّتِي لَيْسَ مِثْلُهَا طَيِّبًا فِي الْبِلَادِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِمُ الِاخْتِلَافُ حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ الْقُرْآنُ النَّازِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عِلْمًا، لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعِلْمِ وَتَسْمِيَةُ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبِّبِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ. وَفِي كَوْنِ الْقُرْآنِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الِاخْتِلَافِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُخْبِرُونَ بِمَبْعَثِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَفْتَخِرُونَ بِهِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى كَذَّبُوهُ حَسَدًا وَبَغْيًا وَإِيثَارًا لِبَقَاءِ الرِّيَاسَةِ وَآمَنَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ صَارَ نُزُولُ الْقُرْآنِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الِاخْتِلَافِ فِيهِمْ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُفَّارًا مَحْضًا بِالْكُلِّيَّةِ وَبَقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فَآمَنَ قَوْمٌ وَبَقِيَ أَقْوَامٌ آخَرُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَا حِيلَةَ فِي إِزَالَتِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ يَقْضِي بَيْنَهُمْ، فَيَتَمَيَّزُ الْمُحِقُّ من المبطل والصديق من الزنديق.

[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ إلى قوله فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ اختلافهم عند ما جَاءَهُمُ الْعِلْمُ أَوْرَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُقَوِّي قَلْبَهُ فِي صِحَّةِ الْقُرْآنِ وَالنُّبُوَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ الشَّكُّ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ، ضَمُّ بَعْضِ الشَّيْءِ إِلَى بَعْضٍ، يُقَالُ: شَكَّ الْجَوَاهِرَ فِي الْعِقْدِ إِذَا ضَمَّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ. وَيُقَالُ شَكَكْتُ الصَّيْدَ إِذَا رَمَيْتَهُ فَضَمَمْتُ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ إِلَى رِجْلِهِ وَالشَّكَائِكُ مِنَ الْهَوَادِجِ مَا شُكَّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَالشِّكَاكُ الْبُيُوتُ الْمُصْطَفَّةُ وَالشَّكَائِكُ الْأَدْعِيَاءُ، لِأَنَّهُمْ يَشُكُّونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى قَوْمٍ لَيْسُوا مِنْهُمْ، أَيْ يَضُمُّونَ، وَشَكَّ الرَّجُلُ فِي السِّلَاحِ، إِذَا دَخَلَ فِيهِ وَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمَهُ إِيَّاهَا، فَإِذَا قَالُوا: شَكَّ فُلَانٌ فِي الْأُمُورِ أَرَادُوا أَنَّهُ وَقَفَ نَفْسَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَيَجُوزُ هَذَا، وَيَجُوزُ هَذَا فَهُوَ يَضُمُّ إِلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ شَيْئًا آخَرَ خِلَافَهُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 299
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست