responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 297
الْجَوَابُ: الْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ جِبْرِيلُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ: وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهُ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ إِلَّا كَلَامَ اللَّه تَعَالَى.
السُّؤَالُ الثَّانِي: ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ لِلْمَعْصِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْفَسَادِ السَّابِقِ، وَصِحَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ لَا تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ.
وَالْجَوَابُ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَقْلًا، وَأَحَدُ دَلَائِلِهِمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَأَيْضًا فَالتَّعْلِيلُ مَا وَقَعَ بِمُجَرَّدِ الْمَعْصِيَةِ السَّابِقَةِ، بَلْ بِتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: هَلْ يَصِحُّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ يَمْلَأُ فَمَهُ مِنَ الطِّينِ لِئَلَّا يَتُوبَ غَضَبًا عَلَيْهِ.
وَالْجَوَابُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ التَّكْلِيفُ كَانَ ثَابِتًا أَوْ مَا كَانَ ثَابِتًا، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَجُزْ عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَعَلَى كُلِّ طَاعَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ [الْمَائِدَةِ: 2] وَأَيْضًا فَلَوْ مَنَعَهُ بِمَا ذَكَرُوهُ لَكَانَتِ التَّوْبَةُ مُمْكِنَةً، لِأَنَّ الْأَخْرَسَ قَدْ يَتُوبُ بِأَنْ يَنْدَمَ بِقَلْبِهِ وَيَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَةِ الْقَبِيحِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِمَا فَعَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَائِدَةٌ، وَأَيْضًا لَوْ مَنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ لَكَانَ قَدْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَلِيقُ باللَّه تَعَالَى أَنْ يَقُولَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] ثُمَّ يَأْمُرُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَا بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى، فَهَذَا يُبْطِلُهُ قَوْلُ جِبْرِيلَ وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مَرْيَمَ:
64] وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَتِهِمْ: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 28] وَقَوْلُهُ: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 27] وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنِ التَّكْلِيفَ كَانَ زَائِلًا عَنْ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِهَذَا الْفِعْلِ الَّذِي نُسِبَ جِبْرِيلُ إِلَيْهِ فَائِدَةٌ أَصْلًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أَيْ نُلْقِيكَ بِنَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ. الثَّانِي: نُخْرِجُكَ مِنَ الْبَحْرِ وَنُخَلِّصُكَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ قَوْمُكَ مِنْ قَعْرِ الْبَحْرِ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تَغْرَقَ. وَقَوْلُهُ: بِبَدَنِكَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ فِي الْحَالِ الَّتِي أَنْتَ فِيهِ حِينَئِذٍ لَا رُوحَ فِيكَ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا وَعْدٌ لَهُ بِالنَّجَاةِ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آلِ عِمْرَانَ: 21] كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ نُنَجِّيكَ لَكِنَّ هَذِهِ النَّجَاةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ لِبَدَنِكَ لَا لِرُوحِكَ، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ قَدْ/ يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ كَمَا يُقَالُ: نُعْتِقُكَ وَلَكِنْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنُخَلِّصُكَ مِنَ السِّجْنِ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تَمُوتَ. الرَّابِعُ: قَرَأَ بَعْضُهُمْ نُنَجِّيكَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ نُلْقِيكَ بِنَاحِيَةٍ مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ طُرِحَ بَعْدَ الْغَرَقِ بِجَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْبَحْرِ. قَالَ كَعْبٌ: رَمَاهُ الْمَاءُ إِلَى السَّاحِلِ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِبَدَنِكَ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ فِي الْحَالِ الَّتِي كُنْتَ بَدَنًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ رُوحٍ. الثَّانِي: الْمُرَادُ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ كَامِلًا سَوِيًّا لَمْ تَتَغَيَّرْ. الثَّالِثُ: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أَيْ نُخْرِجُكَ مِنَ الْبَحْرِ عُرْيَانًا مِنْ غَيْرِ لِبَاسٍ. الرَّابِعُ: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أَيْ بِدِرْعِكَ، قَالَ اللَّيْثُ: الْبَدَنُ هُوَ الدِّرْعُ الَّذِي يَكُونُ قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ، فَقَوْلُهُ: بِبَدَنِكَ أَيْ بِدِرْعِكَ، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ ذَهَبٍ يُعْرَفُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست