responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 274
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَصْلُ الْعُزُوبِ مِنَ الْبُعْدِ يُقَالُ: كَلَأٌ عَازِبٌ إِذَا كَانَ بَعِيدَ الْمَطْلَبِ، وَعَزَبَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ إِذَا أَرْسَلَهَا إِلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمَنْزِلِ، وَالرَّجُلُ سُمِّيَ عَزَبًا لِبُعْدِهِ عَنِ الْأَهْلِ، وَعَزَبَ الشَّيْءُ عَنْ عِلْمِي إِذَا بَعُدَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَما يَعْزُبُ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: عَزَبَ يَعْزُبُ، وَعَزَبَ يَعْزِبُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ أَيْ وَزْنِ ذَرَّةٍ، وَمِثْقَالُ الشَّيْءِ مَا يُسَاوِيهِ فِي الثِّقَلِ، وَالْمَعْنَى. مَا يُسَاوِي ذَرَّةً وَالذَّرُّ صِغَارُ النَّمْلِ وَاحِدُهَا ذَرَّةٌ، وَهِيَ تَكُونُ خَفِيفَةَ الْوَزْنِ جِدًّا، وَقَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قدم اللَّه ذكر الأرض هاهنا عَلَى ذِكْرِ السَّمَاءِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ سَبَأٍ: عالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ؟ [سَبَأٍ: 3] .
قُلْنَا: حَقُّ السَّمَاءِ أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ شَهَادَتَهُ عَلَى أَحْوَالِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ وَصَلَ بِذَلِكَ قَوْلَهُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ، نَاسَبَ أَنْ تُقَدَّمَ الْأَرْضُ عَلَى السَّمَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ قَرَأَ حَمْزَةُ وَلَا أَصْغَرُ وَلَا أَكْبَرُ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ تَقْدِيرُهُ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فَلَفْظُ مِثْقالِ عِنْدَ دُخُولِ كَلِمَةِ (مِنْ) عَلَيْهِ مَجْرُورٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ فِي الْمَعْنَى، فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ إِنْ عُطِفَ عَلَى الظَّاهِرِ كَانَ مَجْرُورًا إِلَّا أَنَّ لَفْظَ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، فَكَانَ مَفْتُوحًا/ وَإِنْ عُطِفَ عَلَى الْمَحَلِّ، وَجَبَ كَوْنُهُ مَرْفُوعًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ مَا أَتَانِي مِنْ أَحَدٍ عَاقِلٍ وَعَاقِلٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الْأَعْرَافِ:
59] وَغَيْرُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
هَذَا مَا ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : لَوْ صَحَّ هَذَا الْعَطْفُ لَصَارَ تَقْدِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا فِي كِتَابٍ: وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الَّذِي فِي الْكِتَابِ خَارِجًا عَنْ عِلْمِ اللَّه تَعَالَى وَإِنَّهُ بَاطِلٌ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُزُوبَ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْبُعْدِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْأَشْيَاءُ الْمَخْلُوقَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ أَوْجَدَهُ اللَّه تَعَالَى ابْتِدَاءً من غير واسطة كالملائكة والسموات وَالْأَرْضِ، وَقِسْمٌ آخَرُ أَوْجَدَهُ اللَّه بِوَاسِطَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، مِثْلُ: الْحَوَادِثِ الْحَادِثَةِ فِي عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ قَدْ يَتَبَاعَدُ فِي سِلْسِلَةِ الْعِلِّيَّةِ وَالْمَعْلُولِيَّةِ عَنْ مَرْتَبَةِ وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ فَقَوْلُهُ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ أَيْ لَا يَبْعُدُ عَنْ مَرْتَبَةِ وُجُودِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَثْبَتَ صُوَرَ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِهَا مُحِيطًا بِأَحْوَالِهَا، وَالْغَرَضُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست