responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 269
اللاهوت، وأول هذه المرتبة هو قوله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: 27] أوسطها قَوْلُهُ تَعَالَى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذَّارِيَاتِ: 50] وَآخِرُهَا قَوْلُهُ: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الْأَنْعَامِ: 91] وَمَجْمُوعُهَا قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هُودٍ: 123] وَسَيَجِيءُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَهُدىً.
وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: فَهِيَ أَنْ تَصِيرَ النَّفْسُ الْبَالِغَةُ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالْمَعَارِجِ الرَّبَّانِيَّةِ بِحَيْثُ تَفِيضُ أَنْوَارُهَا عَلَى أَرْوَاحِ النَّاقِصِينَ فَيْضَ النُّورِ مِنْ جَوْهَرِ الشَّمْسِ عَلَى أَجْرَامِ هَذَا الْعَالَمِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُعَانِدِينَ لَا تَسْتَضِيءُ بِأَنْوَارِ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لِأَنَّ الْجِسْمَ الْقَابِلَ لِلنُّورِ عَنْ قُرْصِ الشَّمْسِ/ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَجْهُهُ مُقَابِلًا لِوَجْهِ الشَّمْسِ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ لَمْ يَقَعْ ضَوْءُ الشَّمْسِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ كَلُّ رُوحٍ لَمَّا لَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَى خِدْمَةِ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُطَهَّرِينَ، لَمْ تَنْتَفِعْ بِأَنْوَارِهِمْ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا آثَارُ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الْمُطَهَّرَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْأَجْسَامَ الَّتِي لَا تَكُونُ مُقَابِلَةً لِقُرْصِ الشَّمْسِ مُخْتَلِفَةُ الدَّرَجَاتِ وَالْمَرَاتِبِ فِي الْبُعْدِ عَنْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ وَلَا تَزَالُ تَتَزَايَدُ دَرَجَاتُ هَذَا الْبُعْدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ الْجِسْمُ إِلَى غَايَةِ بُعْدِهِ عَنْ مُقَابَلَةِ قُرْصِ الشَّمْسِ، فَلَا جَرَمَ يَبْقَى خَالِصَ الظُّلْمَةِ، فَكَذَلِكَ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ النُّفُوسِ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْأَنْوَارِ عَنْ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا تَزَالُ تَتَزَايَدُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى النَّفْسِ الَّتِي كَمُلَتْ ظُلْمَتُهَا، وَعَظُمَتْ شَقَاوَتُهَا وَانْتَهَتْ فِي الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ إِلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ، وَأَبْعَدِ النِّهَايَاتِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْعِظَةَ إِشَارَةٌ إِلَى تَطْهِيرِ ظَوَاهِرِ الْخَلْقِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالشِّفَاءُ إِشَارَةٌ إِلَى تَطْهِيرِ الْأَرْوَاحِ عَنِ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ وَالْهُدَى وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى ظُهُورِ نُورِ الْحَقِّ فِي قُلُوبِ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، وَالرَّحْمَةُ وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهَا بَالِغَةً فِي الْكَمَالِ وَالْإِشْرَاقِ إِلَى حَيْثُ تَصِيرُ مُكَمِّلَةً لِلنَّاقِصِينَ وَهِيَ النُّبُوَّةُ، فَهَذِهِ دَرَجَاتٌ عَقْلِيَّةٌ وَمَرَاتِبُ بُرْهَانِيَّةٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهَا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَا تَقْدِيمُ مَا تَأَخَّرَ ذِكْرُهُ، وَلَمَّا نَبَّهَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَسْرَارِ الْعَالِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ قَالَ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا قَرَّرَهُ حُكَمَاءُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ أَفْضَلُ مِنَ السَّعَادَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ انتهى.
المسألة الثالثة: قَوْلُهُ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا وَتَقْدِيرُهُ: بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَلْيَفْرَحُوا، ثُمَّ يَقُولُ مرة أخرى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يُفِيدُ الْحَصْرَ، يَعْنِي يَجِبُ أَنْ لَا يَفْرَحَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَفْرَحَ الْإِنْسَانُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: لَا مَعْنَى لِهَذِهِ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ إِلَّا دَفْعُ الْآلَامِ، وَالْمَعْنَى الْعَدَمِيُّ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَحَ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّذَّاتُ صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةً، لَكِنَّهَا مَعْنَوِيَّةٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّضَرُّرَ بِآلَامِهَا أَقْوَى مِنَ الِانْتِفَاعِ بِلَذَّاتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَقْوَى اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ لَذَّةَ الْوِقَاعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الِالْتِذَاذَ بِهَا أَقَلُّ مَرْتَبَةً مِنَ الِاسْتِضْرَارِ بِأَلَمِ الْقُولَنْجِ وَسَائِرِ الْآلَامِ الْقَوِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَدَاخِلَ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ قَلِيلَةٌ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْصِيلِ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست