responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 265
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ لِمَنْ وَعَدَكُمْ بِالْعَذَابِ أَنْ يُنْزِلَهُ عَلَيْكُمْ وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَانِعَ رَبَّهُ وَيُدَافِعَهُ عَمَّا أَرَادَ وَقَضَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مِنَ الْكَلِمَاتِ، إِنَّمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا دَامُوا فِي الدُّنْيَا فَأَمَّا إِذَا حَضَرُوا مَحْفِلَ الْقِيَامَةِ وَعَايَنُوا قَهْرَ اللَّه تَعَالَى، وَآثَارَ عَظَمَتِهِ تَرَكُوا ذَلِكَ وَاشْتَغَلُوا بِأَشْيَاءَ أُخْرَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّهُ فِي مَحْفِلِ الْقِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مَرْيَمَ: 95] وَبِتَقْدِيرِ: أَنْ يَمْلِكَ خَزَائِنَ الْأَرْضِ لَا يَنْفَعُهُ الْفِدَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الْبَقَرَةِ: 48] وَقَالَ فِي صِفَةِ هَذَا الْيَوْمِ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [الْبَقَرَةِ: 254] وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ جَاءَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، وَالْقِيَامَةُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ وَاجِبَةَ الْوُقُوعِ، جَعَلَ اللَّه مُسْتَقْبَلَهَا كَالْمَاضِي، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْرَارَ هُوَ الْإِخْفَاءُ وَالْإِظْهَارُ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، أَمَّا وُرُودُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِمَعْنَى الْإِخْفَاءِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا وُرُودُهَا بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَرَّ الشَّيْءَ وَأَسَرَّهُ إِذَا أَظْهَرَهُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْهُ إِخْفَاءُ تِلْكَ النَّدَامَةِ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْإِخْفَاءِ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ صَارُوا مَبْهُوتِينَ مُتَحَيِّرِينَ، فَلَمْ يُطِيقُوا عِنْدَهُ بُكَاءً وَلَا صُرَاخًا سِوَى إِسْرَارِ النَّدَمِ كَالْحَالِ فِيمَنْ يُذْهَبُ بِهِ لِيُصْلَبَ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَبْهُوتًا مُتَحَيِّرًا لَا يَنْطِقُ بِكَلِمَةٍ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَسَرُّوا النَّدَامَةَ مِنْ سَفَلَتِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ حَيَاءً مِنْهُمْ وَخَوْفًا مِنْ تَوْبِيخِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَهَابَةَ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ تَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ هَذَا التَّدْبِيرِ فَكَيْفَ قَدِمُوا عَلَيْهِ.
قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْكِتْمَانَ إِنَّمَا يَحْصُلُ قَبْلَ الِاحْتِرَاقِ بِالنَّارِ، فَإِذَا احْتَرَقُوا تَرَكُوا هَذَا الْإِخْفَاءَ وَأَظْهَرُوهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا [الْمُؤْمِنُونَ: 106] الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ أَسَرُّوا تِلْكَ النَّدَامَةَ لِأَنَّهُمْ أَخْلَصُوا للَّه فِي تِلْكَ النَّدَامَةِ، وَمَنْ أَخْلَصَ فِي الدُّعَاءِ أَسَرَّهُ، وَفِيهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ وَبِإِخْلَاصِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته ولم يَنْفَعْهُمْ، بَلْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَقْتَ التَّكْلِيفِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ الْإِسْرَارَ بِالْإِظْهَارِ فَقَوْلُهُ: ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَخْفَوُا النَّدَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ حِفْظِ الرِّيَاسَةِ، وَفِي الْقِيَامَةِ بَطُلَ هَذَا الْغَرَضُ فَوَجَبَ الْإِظْهَارُ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فَقِيلَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَقِيلَ بَيْنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَتْبَاعِ، وَقِيلَ بَيْنَ الْكُفَّارِ بِإِنْزَالِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَقْضِيَ اللَّه تَعَالَى بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الدُّنْيَا وَخَانَهُ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقَضَاءِ تَخْفِيفٌ مِنْ عَذَابِ بَعْضِهِمْ، وَتَثْقِيلٌ لِعَذَابِ الْبَاقِينَ، لِأَنَّ الْعَدْلَ يَقْتَضِي أَنْ يَنْتَصِفَ لِلْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِأَنْ يُخَفِّفَ مِنْ عَذَابِ الْمَظْلُومِينَ وَيُثَقِّلَ في عذاب الظالمين.

[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 56]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 265
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست