responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 239
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ
[الرَّعْدِ: 23، 24] وَهُمْ أَيْضًا يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ قَالَ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [يونس: 10] وَأَيْضًا فَسَلَامُهُمْ يَصِلُ إِلَى السُّعَدَاءِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ [الْوَاقِعَةِ: 90، 91] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ كَمَالَ جُودِ اللَّه تَعَالَى وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ وَكَمَالَ رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ مَعْلُومٌ، فَدَعَوَتُهُ عَبِيدَهُ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَارَ السَّلَامِ قَدْ حَصَلَ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، لِأَنَّ الْعَظِيمَ إِذَا اسْتَعْظَمَ شَيْئًا وَرَغَّبَ فِيهِ وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ التَّرْغِيبِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَمَالِ حَالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ مَلَأَ اللَّه هَذَا الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مِنْ وَصْفِ الْجَنَّةِ مِثْلَ قَوْلِهِ: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [الْوَاقِعَةِ: 89] وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا كَلَامًا كُلِّيًّا فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَطْلُوبِ، فَنَقُولُ: الْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَسْعَى/ فِي يَوْمِهِ لِغَدِهِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ غَدَانِ، غَدٌ فِي الدُّنْيَا وَغَدٌ فِي الْآخِرَةِ فَنَقُولُ: غَدُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ غَدِ الدُّنْيَا مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يُدْرِكُ غَدَ الدُّنْيَا وَبِالضَّرُورَةِ يُدْرِكُ غَدَ الْآخِرَةِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُدْرِكَ غَدَ الدُّنْيَا فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا جَمَعَهُ، إِمَّا لِأَنَّهُ يَضِيعُ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِي بَدَنِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. أَمَّا غد الآخرة فكلما اكْتَسَبَهُ الْإِنْسَانُ لِأَجْلِ هَذَا الْيَوْمِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَجِدَ غَدَ الدُّنْيَا وَيَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ، إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمَنَافِعَ مَخْلُوطَةٌ بِالْمَضَارِّ وَالْمَتَاعِبِ، لِأَنَّ سِعَادَاتِ الدُّنْيَا غَيْرُ خَالِصَةٍ عَنِ الْآفَاتِ، بَلْ هِيَ مَمْزُوجَةٌ بِالْبَلِيَّاتِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ طَلَبَ مَا لَمْ يُخْلَقْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَلَمْ يُرْزَقْ» فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه وَمَا هُوَ؟ قال: «سرور يوم بتمامه»
وأما منافع عز الْآخِرَةِ فَهِيَ خَالِصَةٌ عَنِ الْغُمُومِ وَالْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ سَالِمَةٌ عَنْ كُلِّ الْمُنَفِّرَاتِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أن يصل الإنسان إلى عز الدُّنْيَا وَيَنْتَفِعَ بِسَبَبِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ خَالِيًا عَنْ خَلْطِ الْآفَاتِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا وَمَنَافِعُ الْآخِرَةِ دَائِمَةٌ مُبَرَّأَةٌ عَنِ الِانْقِطَاعِ، فَثَبَتَ أَنَّ سَعَادَاتِ الدُّنْيَا مَشُوبَةٌ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ سَعَادَاتِ الْآخِرَةِ سَالِمَةٌ عَنْهَا فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى قَالُوا: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ دَعَا جَمِيعَ الْخَلْقِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مَا هَدَى إِلَّا بَعْضَهُمْ فَهَذِهِ الْهِدَايَةُ الْخَاصَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُغَايِرَةً لِتِلْكَ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ، وَلَا شَكَّ أَيْضًا أَنَّ الْإِقْدَارَ وَالتَّمْكِينَ وَإِرْسَالَ الرُّسُلِ وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ أُمُورٌ عَامَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْهِدَايَةُ الْخَاصَّةُ مُغَايِرَةً لِكُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ دُونَ غَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْكِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَمَا قَدَرُوا عَلَى إِيرَادِ الْأَسْئِلَةِ الْكَثِيرَةِ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَيَهْدِي اللَّه مَنْ يَشَاءُ إِلَى إِجَابَةِ تِلْكَ الدَّعْوَةِ، بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَجَابَ الدُّعَاءَ وَأَطَاعَ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّه يَهْدِيهِ إِلَيْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْأَلْطَافُ. وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه فِعْلُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ، وَمَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَكُونُ مُعَلَّقًا بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا مُعَلَّقٌ بالمشيئة، فامتنع حمله على ما ذكروه.

[سورة يونس (10) : آية 26]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست