responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 229
قَرَّرْنَاهُ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ لَيْسَ مَذْهَبًا لِلْعَرَبِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، بَلْ كَانُوا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَنَفْيِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. ثُمَّ حذف هَذَا الْمَذْهَبُ الْفَاسِدُ فِيهِمْ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا كَانَ أَصْلِيًّا فِيهِمْ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ يَتَعَصَّبُوا لِنُصْرَتِهِ، وَلَمْ يَتَأَذَّوْا مِنْ تَزْيِيفِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَلَمْ تَنْفُرْ طِبَاعُهُمْ مِنْ إِبْطَالِهِ. وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] ثُمَّ بَالَغَ فِي إِبْطَالِهِ بِالدَّلِيلِ. ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ:
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانَ أَنَّ هَذَا الْكُفْرَ كَانَ حَاصِلًا فِيهِمْ مِنَ الزَّمَانِ الْقَدِيمِ، لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلًا عَلَى إِبْطَالِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ. أَمَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ النَّاسَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْكُفْرُ إِنَّمَا حَدَثَ فِيهِمْ مِنْ زَمَانٍ، أَمْكَنَ التَّوَسُّلُ بِهِ إِلَى تَزْيِيفِ اعْتِقَادِ الْكُفَّارِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَفِي تَقْبِيحِ صُورَتِهَا عِنْدَهُمْ، فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ تَحْصِيلًا لِهَذَا الْغَرَضِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَعِيدٌ، وَصَرْفُ هَذَا الْوَعِيدِ إِلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَوْلَى، وَالْأَقْرَبُ هُوَ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ، فَوَجَبَ صَرْفُ هَذَا الْوَعِيدِ إِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، لَا إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِ النَّاسِ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْإِسْلَامِ لَا فِي الْكُفْرِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْكُفْرِ لَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ سَبَبًا لِحُصُولِ الْوَعِيدِ. أَمَّا لَوْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْإِيمَانِ لَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ جَعْلُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ سَبَبًا لِلْوَعِيدِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْكُفْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. قَالُوا: وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفَائِدَةُ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُ لَا تَطْمَعُ فِي أَنْ يَصِيرَ كُلُّ مَنْ تَدْعُوهُ إِلَى الدِّينِ مُجِيبًا لَكَ، قَابِلًا لِدِينِكَ/ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ الْإِسْلَامُ فِي بَعْضِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ تَطْمَعُ فِي اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْإِيمَانِ؟
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدْيَانِ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى أَمْرَيْنِ: التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّه. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الْأَنْعَامِ: 151] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدِ اسْتَقْصَيْنَا فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلْنَكْتَفِ بِهَذَا الْقَدْرِ هَاهُنَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَةَ مَا هِيَ؟ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَالَ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَبْقَى التَّكْلِيفُ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنْ كَانُوا بِهِ كَافِرِينَ، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ وَالْعِقَابِ لِكُفْرِهِمْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِزَوَالِ التَّكْلِيفِ، وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ، وَكَانَ إِبْقَاءُ التَّكْلِيفِ أَصْوَبَ وَأَصْلَحَ، لَا جَرَمَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخَّرَ هَذَا الْعِقَابَ إِلَى الْآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ، وَفِي ذَلِكَ تَصْبِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى احْتِمَالِ الْمَكَارِهِ مِنْ قِبَلِ الْكَافِرِينَ وَالظَّالِمِينَ.
الثَّانِي: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فِي أَنَّهُ لَا يُعَاجِلُ الْعُصَاةَ بِالْعُقُوبَةِ إِنْعَامًا عَلَيْهِمْ، لَقُضِيَ بينهم في

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست