responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 192
يَبْنِي الْبِنَاءَ مُتَبَاعِدًا عَنِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الصلبة لئلا ينهدم، والله تعالى بنى السموات وَالْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعُقَلَاءُ قُدْرَتَهُ وَكَمَالَ جَلَالَتِهِ، وَالِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ الِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِ بِالْقَهْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزُّخْرُفِ: 12، 13] قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: فَثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَنَقُولُ: وَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى، يَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُشَاهَدٍ، وَالْعَرْشُ الَّذِي في السماء ليس كذلك، وأما أجرام السموات وَالْأَرَضِينَ فَهِيَ مُشَاهَدَةٌ مَحْسُوسَةٌ، فَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِهَا عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ جَائِزًا صَوَابًا حَسَنًا. ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْلِيقِ ذَوَاتِهَا، وَقَوْلَهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى تَسْطِيحِهَا وَتَشْكِيلِهَا بِالْأَشْكَالِ الْمُوَافِقَةِ لِمَصَالِحِهَا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ هَذِهِ الْآيَةُ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِ/ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها [النَّازِعَاتِ:
27، 28] فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ بَنَاهَا، ثُمَّ ذَكَرَ ثَانِيًا أَنَّهُ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَكَذَلِكَ هَاهُنَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنَّهُ خَلَقَ ذَوَاتِهَا ثُمَّ ذَكَرَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ أَنَّهُ قَصَدَ إِلَى تَعْرِيشِهَا وَتَسْطِيحِهَا وَتَشْكِيلِهَا بِالْأَشْكَالِ الْمُوَافِقَةِ لَهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ لِجُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَرْشِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
الْجِسْمُ الْعَظِيمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ بعد خلق السموات وَالْأَرَضِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ [هُودٍ: 7] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْوِينَ الْعَرْشِ سَابِقٌ عَلَى تخليق السموات وَالْأَرَضِينَ بَلْ يَجِبُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ بِوُجُوهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: ثُمَّ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَرْشِ الْمُلْكُ، يُقَالُ فُلَانٌ وَلِيَ عَرْشَهُ أَيْ مُلْكَهُ فَقَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ وَاسْتَدَارَتِ الْأَفْلَاكُ وَالْكَوَاكِبُ، وَجَعَلَ بِسَبَبِ دَوَرَانِهَا الْفُصُولَ الْأَرْبَعَةَ وَالْأَحْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ، فَفِي هَذَا الْوَقْتِ قَدْ حَصَلَ وُجُودُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْكَائِنَاتِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَرْشَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُلْكِ، وَمُلْكُ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَوُجُودُ مَخْلُوقَاتِهِ إِنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ تخليق السموات وَالْأَرْضِ، لَا جَرَمَ صَحَّ إِدْخَالُ حَرْفِ (ثَّمَ) الَّذِي يُفِيدُ التَّرَاخِيَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَمَّا قَوْلُهُ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْضِي وَيُقَدِّرُ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُصِيبُ فِي أَفْعَالِهِ، النَّاظِرُ فِي أَدْبَارِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا، كَيْ لَا يَدْخُلَ فِي الْوُجُودِ مَا لَا يَنْبَغِي. وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْرَ الشَّأْنُ يَعْنِي يُدَبِّرُ أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات وَالْأَرْضِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ؟
قلنا: قد دل بكونه خالقا للسموات وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَبِكَوْنِهِ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ، عَلَى نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَغَايَةِ الْجَلَالَةِ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَلَا فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ وَلَا حَادِثٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَضَائِهِ وَحُكْمِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نِهَايَةِ الْقُدْرَةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست