responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 189
تَرْكِيبِهَا إِلَى مُدَبِّرٍ وَقَاهِرٍ، يُخَصَّصُ بَعْضُهَا بِالدَّاخِلِ وَبَعْضُهَا بِالْخَارِجِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُفْتَقِرَةٌ فِي تَرْكِيبِهَا وَأَشْكَالِهَا وَصِفَاتِهَا إِلَى مُدَبِّرٍ قَدِيرٍ عَلِيمٍ حَكِيمٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِصِفَاتِ الْأَفْلَاكِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ أَنْ نَقُولَ: حَرَكَاتُ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ لَهَا بِدَايَةٌ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ افْتَقَرَتْ هَذِهِ الْأَفْلَاكُ فِي حَرَكَاتِهَا إِلَى مُحَرِّكٍ وَمُدَبِّرٍ قَاهِرٍ.
أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ الْحَرَكَةَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّغَيُّرِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَهَذِهِ الْمَاهِيَّةُ تَقْتَضِي الْمَسْبُوقِيَّةَ بِالْحَالَةِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهَا، وَالْأَزَلُ يُنَافِي الْمَسْبُوقِيَّةَ بِالْغَيْرِ، فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَرَكَةِ/ وَبَيْنَ الْأَزَلِ مُحَالًا، فَثَبَتَ أَنَّ لِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ أَوَّلًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْأَجْرَامُ الْفَلَكِيَّةُ كَانَتْ مَعْدُومَةً فِي الْأَزَلِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، لَكِنَّهَا كَانَتْ وَاقِفَةً وَسَاكِنَةً وَمَا كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: فَلِحَرَكَاتِهَا أَوَّلٌ وَبِدَايَةٌ.
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَجَبَ افْتِقَارُهَا إِلَى مُدَبِّرٍ قَاهِرٍ، فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذِهِ الْأَجْرَامِ بِالْحَرَكَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَدُونَ مَا بَعْدَهُ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ، وَتَرْجِيحِ مُرَجِّحٍ وَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، وَإِلَّا لَحَصَلَتْ تِلْكَ الْحَرَكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَجْلِ أَنْ مُوجِبِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا، ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِصِفَاتِ الْأَفْلَاكِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْفَلَكِ حَاصِلَةٌ فِيهِ لَا فِي الْفَلَكِ الْآخَرِ، وَأَجْزَاءَ الْفَلَكِ الْآخَرِ حَاصِلَةٌ فِيهِ لَا فِي الْفَلَكِ الْأَوَّلِ فَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ، وَيَعُودُ التَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ فِيهِ. فَهَذَا تَقْرِيرِ هَذَا الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ كَلِمَةَ (الَّذِي) كَلِمَةٌ وُضِعَتْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَيْءٍ مُفْرَدٍ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ تَعْرِيفِهِ بِقَضِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ، كَمَّا إِذَا قِيلَ لَكَ مَنْ زَيْدٌ؟ فَتَقُولُ: الَّذِي أَبَوْهُ مُنْطَلِقٌ، فَهَذَا التَّعْرِيفُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَ كَوْنُ أَبِيهِ مُنْطَلِقًا، أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَ السَّامِعِ، فَهُنَا لَمَّا قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فَهَذَا إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقًا للسموات وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَ السَّامِعِ، وَالْعَرَبُ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ هَذَا التَّعْرِيفُ؟
وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ التَّوْرَاةُ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ وَالْعَرَبُ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَيْضًا سَمِعُوهُ مِنْهُمْ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ هَذَا التَّعْرِيفُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْفَائِدَةُ فِي بَيَانِ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِيهَا؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ جَمِيعِ الْعَالَمِ فِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَالَمَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّى، وَالْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّى لَا يُمْكِنُ إِيجَادُهُ إِلَّا دُفْعَةً، لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ إِيجَادَهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ فِي زَمَانٍ، فَذَلِكَ الزَّمَانُ مُنْقَسِمٌ لَا مَحَالَةَ مِنْ آنَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، فَهَلْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْإِيجَادِ فِي الْآنِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْآنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مُدَّةِ الْإِيجَادِ، وَإِنْ حَصَلَ في ذلك

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست