responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 9
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ قِسْمَانِ: إِمَّا بِلُزُومِهَا وَكَثْرَةِ إِتْيَانِهَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَعْمُرُ مَجْلِسَ فُلَانٍ إِذَا كَثُرَ غِشْيَانُهُ إِيَّاهُ، وَإِمَّا بِالْعِمَارَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْبِنَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الثَّانِيَ، كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ أَنْ يُقْدِمَ على مرمة الْمَسَاجِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ الْعِبَادَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعَظَّمًا وَالْكَافِرُ يُهِينُهُ وَلَا يُعَظِّمُهُ، وَأَيْضًا الْكَافِرُ نَجِسٌ فِي الْحُكْمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التَّوْبَةِ: 28] وَتَطْهِيرُ الْمَسَاجِدِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الْبَقَرَةِ: 125] وَأَيْضًا الْكَافِرُ لَا يَحْتَرِزُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَدُخُولُهُ فِي الْمَسْجِدِ تَلْوِيثٌ لِلْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ عِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْضًا إِقْدَامُهُ عَلَى مَرَمَّةِ الْمَسْجِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْإِنْعَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ الْكَافِرُ صَاحِبَ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو أَنْ يَعْمُرُوا مَسْجِدَ اللَّه عَلَى الْوَاحِدِ، وَالْبَاقُونَ مَساجِدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمْعِ حُجَّةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عمرو قوله: عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [التوبة: 19] وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُرَادَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَإِنَّمَا قِيلَ: مَساجِدَ لِأَنَّهُ قِبْلَةُ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا وَإِمَامُهَا، فَعَامِرُهُ كَعَامِرِ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ مَعْنَاهُ: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا شَيْئًا مِنْ مَسَاجِدِ اللَّه، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمَكَّنُوا مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمَسَاجِدِ وَأَعْظَمُهَا. الثَّالِثُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ قَدْ يَضَعُونَ الْوَاحِدَ مَكَانَ الْجَمْعِ وَالْجَمْعَ مَكَانَ الْوَاحِدِ أَمَّا وَضْعُ الْوَاحِدِ مَكَانَ الْجَمْعِ فَفِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ كَثِيرُ الدِّرْهَمِ وَأَمَّا وَضْعُ الْجَمْعِ مَكَانَ الْوَاحِدِ فَفِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يُجَالِسُ الْمُلُوكَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ إِلَّا مَعَ مَلِكٍ وَاحِدٍ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ السُّجُودِ، فَكُلُّ بُقْعَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهِيَ مسجد.
المسألة الرابعة: قال الواحدي: دلت عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَمْنُوعُونَ مِنْ عِمَارَةِ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَوْصَى بِهَا لَمْ تُقْبَلْ وَصِيَّتُهُ وَيُمْنَعُ عَنْ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ/ مُسْلِمٍ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنٍ لَمْ يُعَزَّرْ، وَالْأَوْلَى تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْهَا، وَقَدْ أَنْزَلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمْ كُفَّارٌ وَشَدَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ فِي سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ كَافِرٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ: شاهِدِينَ حَالٌ وَالْمَعْنَى مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَعْمُرُوا الْمَسَاجِدَ حَالَ كَوْنِهِمْ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، وَذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وُجُوهًا:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَإِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكُلُّ ذَلِكَ كُفْرٌ، فَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِكُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَدْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ المراد أنهم شهدوا على أنفسهم بأنهم كافرين الثَّانِي: قَالَ السُّدِّيُّ: شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، هُوَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إِذَا قِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ: نَصْرَانِيٌّ وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ يَهُودِيٌّ وَعَابِدُ الْوَثَنِ يَقُولُ: أَنَا عَابِدُ الْوَثَنِ، وَهَذَا الْوَجْهُ إِنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْغُلَاةَ مِنْهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ كَفَرْنَا بِدِينِ مُحَمَّدٍ وَبِالْقُرْآنِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً يَقُولُونَ لَا نَطُوفُ عَلَيْهَا بِثِيَابٍ عَصَيْنَا اللَّه فِيهَا، وَكُلَّمَا طَافُوا شَوْطًا سَجَدُوا لِلْأَصْنَامِ، فَهَذَا هُوَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالشِّرْكِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. السَّادِسُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الرَّسُولِ بِالْكُفْرِ. قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا التَّفْسِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 9
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست