responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 72
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ النَّحْوِيُّونَ: فِي الْآيَةِ مَحْذُوفٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُمْلِيَ لَهُمْ فِيهَا لِيُعَذِّبَهُمْ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّامُ بِمَعْنَى «أَنْ» كَقَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النِّسَاءِ: 26] أَيْ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَهَهُنَا سُؤَالَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمَالُ وَالْوَلَدُ لَا يَكُونَانِ عَذَابًا، بَلْ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي مَنَّ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ، فَعِنْدَ هَذَا الْتَزَمَ هَؤُلَاءِ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الِالْتِزَامَ لَا يَدْفَعُ هَذَا السُّؤَالَ. لِأَنَّهُ يُقَالُ: بَعْدَ هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ عَذَابًا؟ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفٍ فِي الْكَلَامِ بِأَنْ يَقُولُوا أَرَادَ التَّعْذِيبَ بِهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ سَبَبًا لِلْعَذَابِ، وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنَوْا عَنِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ سَبَبًا لِلْعَذَابِ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ كَثِيرُ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِعْجَابَ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْعَذَابِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا كَمَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِلْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِلْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ. أَمَّا كَوْنُهَا سَبَبًا لِلْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا فَمِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ حُبُّهُ لِلشَّيْءِ أَشَدَّ وَأَقْوَى، كَانَ حُزْنُهُ وَتَأَلُّمُ قَلْبِهِ عَلَى فَوَاتِهِ أَعْظَمَ وَأَصْعَبَ، وَكَانَ خَوْفُهُ عَلَى فَوَاتِهِ أَشَدَّ وَأَصْعَبَ، فَالَّذِينَ حَصَلَتْ لَهُمُ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَوْلَادُ إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ بَاقِيَةً عِنْدَهُمْ كَانُوا فِي أَلَمِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ مِنْ فَوَاتِهَا، وَإِنْ فَاتَتْ وَهَلَكَتْ كَانُوا فِي أَلَمِ الْحُزْنِ الشَّدِيدِ بِسَبَبِ فَوَاتِهَا. فَثَبَتَ أَنَّهُ بِحُصُولِ مُوجِبَاتِ السِّعَادَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ تِلْكَ الْقَلْبُ إِمَّا بِسَبَبِ خَوْفِ فَوَاتِهَا وَإِمَّا بِسَبَبِ الْحُزْنِ مِنْ وُقُوعِ فَوَاتِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ يُحْتَاجُ فِي اكْتِسَابِهَا وَتَحْصِيلِهَا إِلَى تَعَبٍ شَدِيدٍ وَمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، ثُمَّ عِنْدَ حُصُولِهَا يَحْتَاجُ إِلَى مَتَاعِبَ أَشَدَّ وَأَشَقَّ وَأَصْعَبَ وَأَعْظَمَ فِي حِفْظِهَا، فَكَانَ حِفْظُ الْمَالِ بَعْدَ حُصُولِهِ أَصْعَبَ مِنِ اكْتِسَابِهِ، فَالْمَشْغُوفُ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ أَبَدًا يَكُونُ فِي تَعَبِ الْحِفْظِ وَالصَّوْنِ عَنِ الْهَلَاكِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ إِلَّا بِالْقَلِيلِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، فَالتَّعَبُ كَثِيرٌ وَالنَّفْعُ قَلِيلٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَظُمَ حُبُّهُ لِهَذِهِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، فَإِمَّا أَنْ تَبْقَى عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ إِلَى آخِرِ عُمُرِهِ، أَوْ لَا تَبْقَى، بَلْ تَهْلِكُ وَتَبْطُلُ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ يَعْظُمُ حُزْنُهُ وَتَشْتَدُّ حَسْرَتُهُ، لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْمَحْبُوبِ شَدِيدَةٌ، وَتَرْكَ الْمَحْبُوبِ أَشَدُّ وَأَشَقُّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَهْلِكُ وَتَبْطُلُ حَالَ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ عَظُمَ أَسَفُهُ عَلَيْهَا، وَاشْتَدَّ تَأَلُّمُ قَلْبِهِ بِسَبَبِهَا، فَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا. الرَّابِعُ: أَنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَالْحَوَاسُّ مَائِلَةٌ إِلَيْهَا، فَإِذَا كَثُرَتْ وَتَوَالَتِ اسْتَغْرَقْتَ فِيهَا وَانْصَرَفَتِ النَّفْسُ بِكُلِّيَّتِهَا إِلَيْهَا، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِحِرْمَانِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ نَوْعُ قَسْوَةٍ وَقُوَّةٍ وَقَهْرٍ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمَالُ وَالْجَاهُ أَكْثَرَ. كَانَتْ تِلْكَ الْقَسْوَةُ أَقْوَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [الْعَلَقِ: 6، 7] فَظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ سَبَبٌ قَوِيٌّ فِي زَوَالِ حُبِّ اللَّهِ وَحُبِّ الْآخِرَةِ عَنِ الْقَلْبِ وَفِي حُصُولِ حُبِّ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فِي الْقَلْبِ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ كَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْتَقِلُ مِنَ الْبُسْتَانِ إِلَى السِّجْنِ وَمِنَ مُجَالَسَةِ الْأَقْرِبَاءِ وَالْأَحِبَّاءِ إِلَى مَوْضِعِ الْكُرْبَةِ وَالْغُرْبَةِ، فَيَعْظُمُ تَأَلُّمُهُ وَتَقْوَى حَسْرَتُهُ، ثُمَّ عِنْدَ الْحَشْرِ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عِقَابٌ. فَثَبَتَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 72
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست