responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 65
[سورة التوبة (9) : الآيات 48 الى 49]
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49)
اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ مَكْرِ الْمُنَافِقِينَ وخبث باطنهم فَقَالَ: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ وَاقِعَةِ تَبُوكَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَقَفُوا عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِيَفْتِكُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ انْصَرَفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: طَلَبُوا صَدَّ أَصْحَابِكَ عَنِ الدِّينِ وَرَدَّهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَتَخْذِيلَ النَّاسِ عَنْكَ، وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ هُوَ الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلْفُرْقَةِ بَعْدَ الْأُلْفَةِ، وَهُوَ الَّذِي طَلَبَهُ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَسَلَّمَهُمُ اللَّه مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ تَقْلِيبُ الْأَمْرِ تَصْرِيفُهُ وَتَرْدِيدُهُ لِأَجْلِ التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهِ، يَعْنِي اجْتَهَدُوا فِي الْحِيلَةِ عَلَيْكَ وَالْكَيْدِ بِكَ.
يُقَالُ: فِي الرَّجُلِ الْمُتَصَرِّفِ فِي وُجُوهِ الْحِيَلِ فُلَانٌ حُوَّلٌ قُلَّبٌ، أَيْ يَتَقَلَّبُ فِي وُجُوهِ الْحِيَلِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مُوَاظِبِينَ عَلَى وَجْهِ الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْ قَبُولِ الدِّينِ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ الَّذِي كَانَ فِي حُكْمِ الْمَذَاهِبِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْقُرْآنُ وَدَعْوَةُ مُحَمَّدٍ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّه الَّذِي كَانَ كَالْمَسْتُورِ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِ اللَّه الْأَسْبَابُ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّه تَعَالَى وَجَعَلَهَا مُؤَثِّرَةً فِي قُوَّةِ شَرْعِ محمد عليه الصلاة والسلام، وهم لها كَارِهُونَ أَيْ وَهُمْ لِمَجِيءِ هَذَا الْحَقِّ وَظُهُورِ أَمْرِ اللَّهِ كَارِهُونَ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَكْرِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي إِثَارَةِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ مُنْذُ كَانُوا فِي طَلَبِ هَذَا الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ، واللَّه تَعَالَى رَدَّهُ فِي نَحْرِهِمْ وَقَلَبَ مُرَادَهُمْ وَأَتَى بِضِدِّ مَقْصُودِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْمَاضِي، فَهَذَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي يُرِيدُ ائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ وَلَا تَفْتِنِّي بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ، وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: لَا تَفْتِنِّي أَيْ لَا تُوقِعْنِي فِي الْفِتْنَةِ وَهِيَ الْإِثْمُ بِأَنْ لَا تَأْذَنَ لِي، فَإِنَّكَ إِنْ مَنَعْتَنِي مِنَ الْقُعُودِ وَقَعَدْتُ بِغَيْرِ إِذْنِكَ وَقَعْتُ فِي الْإِثْمِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا ذَكَرُوهُ عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا أَيْضًا ذَكَرُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُ مُنَافِقًا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَاطِعٍ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا تَفْتِنِّي أَيْ لَا تُلْقِنِي فِي الْهَلَاكِ فَإِنَّ الزَّمَانَ زَمَانُ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا طَاقَةَ لِي بِهَا. وَالثَّالِثُ: لَا تَفْتِنِّي فَإِنِّي إِنْ خَرَجْتُ مَعَكَ هَلَكَ مَالِي وَعِيَالِي. وَالرَّابِعُ: قَالَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ: قَدْ عَلِمَتِ الأنصار أني مغرم/ بانساء فَلَا تَفْتِنِّي بِبَنَاتِ الْأَصْفَرِ، يَعْنِي نِسَاءَ الرُّومِ، وَلَكِنِّي أُعِينُكَ بِمَالٍ فَاتْرُكْنِي، وَقُرِئَ وَلا تَفْتِنِّي مِنْ أَفْتَنَهُ أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ، وَهُمْ فِي الْحَالِ مَا وَقَعُوا إِلَّا فِي الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْفِتْنَةِ الْكُفْرُ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَالتَّمَرُّدُ عَنْ قَبُولِ التَّكْلِيفِ.
وَأَيْضًا فَهُمْ يَبْقَوْنَ خَالِفِينَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، خَائِفِينَ مِنْ أَنْ يَفْضَحَهُمُ اللَّه، وَيُنْزِلَ آيَاتٍ فِي شَرْحِ نِفَاقِهِمْ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سَقَطَ لِأَنَّ لَفْظَ مَنْ مُوَحَّدُ اللَّفْظِ مَجْمُوعُ الْمَعْنَى. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَصَى اللَّه لِغَرَضٍ مَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَبْطُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْغَرَضُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا اخْتَارُوا الْقُعُودَ لِئَلَّا يَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست