responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 61
لِلضِّدِّ الْآخَرِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [الْمُجَادَلَةِ: 22] وَإِذَا كَانَ مَحَلُّ الْمَعْرِفَةِ وَالْكُفْرِ الْقَلْبَ، كَانَ الْمُثَابُ وَالْمُعَاقَبُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقَلْبَ وَالْبَوَاقِي تَكُونُ تَبَعًا لَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّاكَّ الْمُرْتَابَ يَبْقَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، غَيْرَ حَاكِمٍ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا جَازِمٍ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الِاعْتِقَادَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَازِمًا أَوْ لَا يَكُونُ، فَالْجَازِمُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَهُوَ الْجَهْلُ وإن كان مطابقا، فإن كان غير يَقِينٍ فَهُوَ الْعِلْمُ، وَإِلَّا فَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَازِمٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ رَاجِحًا فَالرَّاجِحُ هُوَ الظَّنُّ وَالْمَرْجُوحُ هُوَ الْوَهْمُ وَإِنِ اعْتَدَلَ الطَّرَفَانِ فَهُوَ الرَّيْبُ وَالشَّكُّ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْإِنْسَانُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وقرئ عُدَّتَهُ وَقُرِئَ أَيْضًا عِدَّةً بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ وَبِإِضَافَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مِنَ الزَّادِ وَالْمَاءِ وَالرَّاحِلَةِ، لِأَنَّ سَفَرَهُمْ بَعِيدٌ وَفِي زَمَانٍ شَدِيدٍ، وَتَرْكَهُمُ الْعُدَّةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّخَلُّفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَيَاسِيرَ قَادِرِينَ عَلَى تَحْصِيلِ الْأُهْبَةِ وَالْعُدَّةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الِانْبِعَاثُ: الِانْطِلَاقُ فِي الْأَمْرِ، يُقَالُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فَانْبَعَثَ وَبَعَثْتُهُ لِأَمْرِ كَذَا فَانْبَعَثَ، وَبَعَثَهُ لِأَمْرِ كَذَا أي نفذه فيه، والتثبيط رد الإنسان على الْفِعْلِ الَّذِي هَمَّ بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى كَرِهَ خُرُوجَهُمْ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَفَهُمْ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَ الرَّسُولِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مَفْسَدَةً وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مَصْلَحَةً.
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ مَفْسَدَةً، فَلِمَ عَاتَبَ الرَّسُولَ فِي إِذْنِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْقُعُودِ؟ وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ مَصْلَحَةً، فَلِمَ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ؟
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَ الرَّسُولِ مَا كَانَ مَصْلَحَةً، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَشَرَحَ تِلْكَ الْمَفَاسِدَ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التَّوْبَةِ: 47] بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فَلَمَّا كَانَ الْأَصْوَبُ الْأَصْلَحُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا، فَلِمَ عَاتَبَ الرَّسُولَ فِي الْإِذْنِ؟ فَنَقُولُ: قَدْ حَكَيْنَا عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: ليس في قوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمُ اسْتَأْذَنُوهُ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ السُّؤَالُ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَهُ كَانَ مَفْسَدَةً، فَوَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ الْعِتَابِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِسَائِرِ الْآيَاتِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [التَّوْبَةِ: 83] وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى قوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا [الفتح: 15] فَهَذَا دَفْعُ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي مُسْلِمٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الْجَوَابِ أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ الْعِتَابَ فِي قَوْلِهِ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إِنَّمَا تَوَجَّهَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ، فَنَقُولُ: ذَلِكَ الْعِتَابُ مَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ الْقُعُودَ كَانَ مَفْسَدَةً، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ إِذْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ الْقُعُودِ كَانَ مَفْسَدَةً وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ قَبْلَ إِتْمَامِ التَّفَحُّصِ وَإِكْمَالِ التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 61
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست