responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 6
وَاللِّوَاطَ وَسَائِرَ الْقَبَائِحِ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِأَقْدَارِ اللَّه تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَا مُسَهِّلَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، وَيَا دَافِعَ الْمَوَانِعِ عَنْهَا، فَكَذَا هُنَا، أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْمُرَادَ إِذَنِ الْأَقْدَارُ فَنَقُولُ هَذَا صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِدَلِيلٍ قَاهِرٍ، والدليل القاهر من جانبنا هاهنا، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عِنْدَ الدَّاعِيَةِ الْحَاصِلَةِ، وَحُصُولُ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ لَيْسَ إِلَّا مِنَ اللَّه تَعَالَى. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُخْزِهِمْ مَعْنَاهُ: مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ حَيْثُ شَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ مَقْهُورِينَ فِي أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ذَلِيلِينَ مَهِينِينَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَوْلُهُ: وَيُخْزِهِمْ أَيْ بَعْدَ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِخْزَاءَ إِنَّمَا وَقَعَ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِخْزَاءَ وَاقِعٌ فِي الدُّنْيَا. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الْخِزْيُ لَهُمْ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ مَقْهُورِينَ فَقَدْ حَصَلَ النَّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ قَاهِرِينَ.
فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الْخِزْيِ مُسْتَلْزِمًا لِحُصُولِ هَذَا النَّصْرِ، كَانَ إِفْرَادُهُ بالذكر عبثا فنقول:
ليس الأمل كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَحْصُلَ الْخِزْيُ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَحْصُلُ لَهُمْ آفَةٌ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَمَّا قَالَ: وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَذَا النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَالظَّفَرِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ:
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خُزَاعَةَ أَسْلَمُوا، فَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ حَتَّى نَكَّلُوا بِهِمْ، فَشَفَى اللَّه صُدُورَهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ طَالَ تَأَذِّيهِ مِنْ خَصْمِهِ، ثُمَّ مَكَّنَهُ اللَّه مِنْهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ سُرُورُهُ بِهِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِقُوَّةِ النَّفْسِ، وَثَبَاتِ الْعَزِيمَةِ. وَخَامِسُهَا: قَوْلُهُ: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَشْفِي مِنْ أَلَمِ الْغَيْظِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ إِذْهَابِ الغيظ، فكان قوله: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ تكرار.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمْ بِحُصُولِ هَذَا الْفَتْحِ فَكَانُوا فِي زَحْمَةِ الِانْتِظَارِ، كَمَا قِيلَ الِانْتِظَارُ الْمَوْتُ الْأَحْمَرُ، فَشَفَى صُدُورَهُمْ مِنْ زَحْمَةِ الِانْتِظَارِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَيَشْفِ/ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ فَهَذِهِ هِيَ الْمَنَافِعُ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى تَسْكِينِ الدَّوَاعِي النَّاشِئَةِ مِنَ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ، وَهِيَ التَّشَفِّي وَدَرْكُ الثَّأْرِ وَإِزَالَةُ الْغَيْظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى فِيهَا وِجْدَانَ الْأَمْوَالِ وَالْفَوْزَ بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَوْمٌ جُبِلُوا عَلَى الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ، فَرَغَّبَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي لكونها لائقة بطباعهم، بقي هاهنا مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مُنَاسِبَةٌ لفتح مكة، لأن ذلك جَرَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مُشَاكِلٌ لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِيهِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ حُصُولِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ وَقَعَتْ مُوَافِقَةً لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ، وَالْأَخْبَارُ عَنِ الْغَيْبِ مُعْجِزٌ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الصَّحَابَةِ مُؤْمِنِينَ فِي عِلْمِ اللَّه تَعَالَى إِيمَانًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ مَمْلُوءَةً مِنَ الْغَضَبِ، وَمِنَ الْحَمِيَّةِ لِأَجْلِ الدِّينِ، وَمِنَ الرَّغْبَةِ الشَّدِيدَةِ فِي عُلُوِّ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي قُلُوبِ المؤمنين.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست