responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 58
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صُدُورِ الذَّنْبِ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ وَالْعَفْوُ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الذَّنْبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ كَانَ مَعْصِيَةً وَذَنْبًا. قَالَ قَتَادَةُ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: اثْنَانِ فَعَلَهُمَا الرَّسُولُ، لَمْ يُؤْمَرْ بِشَيْءٍ فِيهِمَا، إِذْنُهُ لِلْمُنَافِقِينَ، وَأَخْذُهُ الْفِدَاءَ مِنَ الْأَسَارَى، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ كَمَا تَسْمَعُونَ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يُوجِبُ الذَّنْبَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مُبَالَغَةِ اللَّهِ فِي تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ إِذَا كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُ، عَفَا اللَّهُ عَنْكَ مَا صَنَعْتَ فِي أَمْرِي وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، مَا جَوَابُكَ عَنْ كَلَامِي؟ وَعَافَاكَ اللَّهُ مَا عَرَفْتَ حَقِّي فَلَا يَكُونُ غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، إِلَّا مَزِيدَ التَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ: فِيمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمُتَوَكِّلَ وَقَدْ أَمَرَ بِنَفْيِهِ:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ أَلَا حُرْمَةٌ ... تَعُودُ بِعَفْوِكَ أَنْ أُبْعَدَا
أَلَمْ تَرَ عَبْدًا عَدَا طَوْرَهُ ... وَمَوْلًى عَفَا وَرَشِيدًا هَدَى
أَقِلْنِي أَقَالَكَ مَنْ لَمْ يَزَلْ ... يَقِيكَ وَيَصْرِفُ عَنْكَ الرَّدَى
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنْ نَقُولَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الْإِنْكَارُ لِأَنَّا نَقُولُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَدَرَ عَنِ الرَّسُولِ ذَنْبٌ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَوْ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ ذَنْبٌ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مَا صَدَرَ عَنْهُ ذَنْبٌ، امْتَنَعَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أن يكون قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إنكار عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ ذَنْبٌ، فَقَوْلُهُ:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَبَعْدَ حُصُولِ الْعَفْوِ عَنْهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الرَّسُولِ مُذْنِبًا، وَهَذَا جَوَابٌ شَافٍ قَاطِعٌ. وَعِنْدَ هَذَا، يُحْمَلُ قَوْلُهُ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلِ، لَا سِيَّمَا وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرُوبِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ.
واحتج عليه بأن قوله: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الْحَشْرِ: 2] أَمْرٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ بِالِاعْتِبَارِ وَالِاجْتِهَادِ، وَالرَّسُولُ كَانَ سَيِّدًا لَهُمْ، فَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ هَذَا الْأَمْرِ، ثُمَّ أَكَّدُوا ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْإِذْنِ أَوْ مَنَعَهُ عَنْهُ، أَوْ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَمَا مَنَعَهُ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا امْتَنَعَ أَنْ يَقُولَ لَهُ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وَالثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَيَلْزَمُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ:
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة: 44] فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة: 45] فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [الْمَائِدَةِ: 47] وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ [مَرْيَمَ: 59] فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، بِنَاءً عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى الِاجْتِهَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا بِأَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست