responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 22
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ «إِنَّمَا» لِلْحَصْرِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا نَجَسَ إِلَّا الْمُشْرِكُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَعْضَاءَ الْمُحْدِثِ نَجِسَةٌ مُخَالِفٌ لِهَذَا النَّصِّ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا النَّصَّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْرِكَ نَجَسٌ وَفِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِنَجَسٍ، ثُمَّ إِنَّ قَوْمًا مَا قَلَبُوا الْقَضِيَّةَ وَقَالُوا الْمُشْرِكُ طَاهِرٌ وَالْمُؤْمِنُ حَالَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا نَجِسٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي أَعْضَائِهِمْ بَقِيَتْ طَاهِرَةً مُطَهِّرَةً: وَالْمِيَاهَ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَكَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَعْضَائِهِمْ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَهَذَا مِنَ الْعَجَائِبِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ أَعْضَاءِ الْمُسْلِمِ
قوله عليه السلام: «المؤمن لا ينجس حيا وَلَا مَيِّتًا»
فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ مُطَابِقًا لِلْقُرْآنِ، ثُمَّ الِاعْتِبَارَاتُ الْحُكْمِيَّةُ طَابَقَتِ الْقُرْآنَ، وَالْأَخْبَارَ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِنْسَانًا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ رَطْبَةً فَوَصَلَتْ إِلَى يَدِ مُحْدِثٍ لَمْ تَنْجُسْ يَدُهُ وَلَوْ عَرِقَ الْمُحْدِثُ وَوَصَلَتْ تِلْكَ النَّدَاوَةُ إِلَى ثَوْبِهِ لَمْ يَنْجُسْ ذَلِكَ الثَّوْبُ، فَالْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ وَالْإِجْمَاعُ تَطَابَقَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ مُخَالَفَتُهُ، وَشُبْهَةُ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْوُضُوءَ يُسَمَّى طَهَارَةً وَالطَّهَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ سَبْقِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي إِزَالَةِ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الْأَحْزَابِ: 33] وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطَّهَارَةُ إِلَّا عَنِ الْآثَامِ وَالْأَوْزَارِ وَقَالَ فِي صِفَةِ مَرْيَمَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ [آلِ عِمْرَانَ: 42] وَالْمُرَادُ تَطْهِيرُهَا عَنِ التُّهْمَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ عَنِ الْآثَامِ/ وَالْأَوْزَارِ، فَلَمَّا فَسَّرَ الشَّارِعُ كَوْنَ الْوُضُوءِ طَهَارَةً بِهَذَا الْمَعْنَى، فَمَا الَّذِي حَمَلَنَا عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَالذَّهَابِ إِلَى شَيْءٍ يُبْطِلُ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارَ وَالْأَحْكَامَ الْإِجْمَاعِيَّةَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْكُفَّارُ يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مَالِكٍ: يُمْنَعُونَ مِنْ كُلِّ الْمَسَاجِدِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَالْآيَةُ بِمَنْطُوقِهَا تُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبِمَفْهُومِهَا تُبْطِلُ قَوْلَ مَالِكٍ، أَوْ نَقُولُ الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَنْعِ، وَخَالَفْنَاهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ الْقَاطِعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي غَيْرِهِ عَلَى وِفْقِ الْأَصْلِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ؟ وَالْأَقْرَبُ هُوَ هَذَا الثَّانِي. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَوْضِعَ التِّجَارَاتِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَنْعَ مِنَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً لَمَا خَافُوا بِسَبَبِ هَذَا الْمَنْعِ مِنَ الْعَيْلَةِ، وَإِنَّمَا يَخَافُونَ الْعَيْلَةَ إِذَا مُنِعُوا مِنْ حُضُورِ الْأَسْوَاقِ وَالْمَوَاسِمِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ مِنَ الْآيَةِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الْإِسْرَاءِ: 1] مَعَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا رُفِعَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَأَيْضًا يَتَأَكَّدُ هَذَا بِمَا
رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الْحَرَمُ حَرَامٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ بِمَكَّةَ، فَجَاءَ رَسُولُ الْمُشْرِكِينَ فَلْيَخْرُجْ إِلَى الْحِلِّ لِاسْتِمَاعِ الرِّسَالَةِ، وَإِنْ دَخَلَ مُشْرِكٌ الْحَرَمَ مُتَوَارِيًا فَمَرِضَ فِيهِ أَخْرَجْنَاهُ مَرِيضًا، وَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ وَلُمْ يُعْلَمْ نَبَشْنَاهُ وَأَخْرَجْنَا عِظَامَهُ إِذَا أَمْكَنَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست