responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 107
وَالْجَوَابُ: قُلْنَا أَمَّا الصَّدَقَاتُ الَّتِي لَا تَكُونُ وَاجِبَةً، فَغَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: بَخِلُوا بِهِ وَالْبُخْلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْوَاجِبِ، وَأَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّهُمْ بِهَذَا التَّرْكِ وَتَارِكُ الْمَنْدُوبِ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ. وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْبَاقِيَانِ، فَالَّذِي يَجِبُ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْآيَةِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ مِثْلُ الزَّكَوَاتِ وَالْمَالِ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَى إِنْفَاقِهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ، وَالْمَالِ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: هَلْ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ، كَانَ قَدِ الْتَزَمَ إِخْرَاجَ مَالٍ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ إِلَّا قَوْلَهُ: لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَهَذَا لَا يُشْعِرُ بِالنَّذْرِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُعَاهِدُ رَبَّهُ فِي أَنْ يَقُومَ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْإِنْفَاقَاتِ الْوَاجِبَةِ إِنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الَّذِي لَزِمَهُمْ إِنَّمَا لَزِمَهُمْ بِسَبَبِ هَذَا الِالْتِزَامِ، وَالزَّكَاةُ لَا تَلْزَمُ بِسَبَبِ هَذَا الِالْتِزَامِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِسَبَبِ مِلْكِ النِّصَابِ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ.
قُلْنَا: قَوْلُهُ: لَنَصَّدَّقَنَّ لَا يُوجِبُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ إِيقَاعِ هَذَا الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَنَصَّدَّقَنَّ فِي وَقْتٍ كَمَا قَالُوا وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ فِي أَوْقَاتِ لُزُومِ الصَّلَاةِ، فَخَرَجَ مِنَ التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ هَذَا الْعَهْدِ، إِخْرَاجُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجِبُ إِخْرَاجُهَا بِمُقْتَضَى إِلْزَامِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ كَمَا يُنَافِقُونَ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَكَذَلِكَ يُنَافِقُونَ رَبَّهُمْ فِيمَا يُعَاهِدُونَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُونَ بِمَا يَقُولُونَ/ وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي وَصْفِهِمْ بِالنِّفَاقِ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْفُصُولِ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا الْمُرَادُ مِنَ الْفَضْلِ فِي قَوْلِهِ: لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ إِيتَاءُ الْمَالِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ، أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْتَاجِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: كَيْفَ اشْتِقَاقُ لَنَصَّدَّقَنَّ الْجَوَابُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَصْلُ لَنَتَصَدَّقَنَّ. وَلَكِنَّ التَّاءَ أُدْغِمَتْ فِي الصَّادِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا. قَالَ اللَّيْثُ:
الْمُصَّدِّقُ الْمُعْطِي وَالْمُتَصَدِّقُ السَّائِلُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَالْفَرَّاءُ: هَذَا خَطَأٌ فَالْمُتَصَدِّقُ هُوَ الْمُعْطِي قَالَ تَعَالَى:
وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يُوسُفَ: 88] .
السُّؤَالُ السَّادِسُ: مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ الْجَوَابُ: الصَّالِحُ ضِدُّ الْمُفْسِدِ، وَالْمُفْسِدُ عِبَارَةٌ عَنِ الَّذِي بَخِلَ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي التَّكْلِيفِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُ عِبَارَةً عَمَّا يَقُومُ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي التَّكْلِيفِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ ثَعْلَبَةُ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى لَئِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ أبواب الخير ليصدقن وليجعن، وَأَقُولُ التَّقْيِيدُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. بَلْ قَوْلُهُ: لَنَصَّدَّقَنَّ إِشَارَةٌ إِلَى إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ إِشَارَةٌ إِلَى إِخْرَاجِ كُلِّ مَالٍ يَجِبُ إِخْرَاجُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست