responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 291
وَالثَّمَرِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَرْوَاحَ فَتَعُودُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّشْبِيهَ إِنَّمَا وَقَعَ بِأَصْلِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَيِّتًا وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا أَحْيَا هَذَا الْبَلَدَ بعد خرابه فانبت فيه الشجرة وَجَعَلَ فِيهِ الثَّمَرَ فَكَذَلِكَ يُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَمْوَاتًا لِأَنَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إِحْدَاثِ الْجِسْمِ وَخَلْقِ الرُّطُوبَةِ وَالطَّعْمِ فِيهِ فَهُوَ أَيْضًا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى إِحْدَاثِ الْحَيَاةِ فِي بَدَنِ الْمَيِّتِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إِقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ حَقٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّاهِبِينَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَعْثُ الْأَجْسَادِ إِلَّا بِأَنْ يُمْطِرَ عَلَى تِلْكَ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ مَطَرًا عَلَى صِفَةِ الْمَنِيِّ فَقَدْ أَبْعَدَ وَلِأَنَّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْدِثَ فِي مَاءِ الْمَطَرِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا صَارَ الْمَنِيُّ مَنِيًّا ابْتِدَاءً فَلِمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْحَيَاةِ وَالْجِسْمِ ابْتِدَاءً؟ وَأَيْضًا فَهَبْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ إِلَّا أَنَّ أَجْزَاءَ الْأَمْوَاتِ غَيْرُ مُخْتَلِطَةٍ فَبَعْضُهَا يَكُونُ بِالْمَشْرِقِ وَبَعْضُهَا يَكُونُ بِالْمَغْرِبِ فَمِنْ أَيْنَ يَنْفَعُ إِنْزَالُ ذَلِكَ الْمَطَرِ فِي تَوْلِيدِ تِلْكَ الْأَجْسَادِ؟
فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى بِقُدْرَتِهِ وَبِحِكْمَتِهِ يُخْرِجُ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَلِمَ لَمْ يَقُولُوا إِنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ يَخْلُقُ الْحَيَاةَ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ ذَلِكَ الْمَطَرِ؟ وَإِنِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ ابْتِدَاءً إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُحْيِيهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْأَشْخَاصِ فِي الدُّنْيَا ابْتِدَاءً إِلَّا أَنَّهُ أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُقُهُمْ إِلَّا مِنَ الْأَبَوَيْنِ فَهَذَا جَائِزٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَالْمَعْنَى: إِنَّكُمْ لَمَّا شَاهَدْتُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ كَانَتْ مُزَيَّنَةً وَقْتَ الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ بِالْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ، ثُمَّ صَارَتْ عِنْدَ الشِّتَاءِ مَيِّتَةً عَارِيَةً عَنْ تِلْكَ الزِّينَةِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَحْيَاهَا مَرَّةً أُخْرَى فَالْقَادِرُ عَلَى إِحْيَائِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَجِبُ كَوْنُهُ أَيْضًا قَادِرًا عَلَى إِحْيَاءِ الْأَجْسَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَذَكُّرُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ هَذَا الْمَعْنَى فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ بِالْأَرْضِ الْخَيِّرَةِ وَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ وَشَبَّهَ نُزُولَ الْقُرْآنِ بِنُزُولِ الْمَطَرِ فَشَبَّهَ الْمُؤْمِنَ بِالْأَرْضِ الْخَيِّرَةِ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا الْمَطَرُ فَيَحْصُلُ فِيهَا أَنْوَاعُ الْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ وَأَمَّا الْأَرْضُ السَّبِخَةِ فَهِيَ وَإِنْ نَزَلَ الْمَطَرُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ إِلَّا النَّزْرُ الْقَلِيلُ فَكَذَلِكَ الرُّوحُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عَنْ شَوَائِبَ الْجَهْلِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ إِذَا اتَّصَلَ به نور القرآن ظهرت فيه أَنْوَاعٌ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالرُّوحُ الْخَبِيثَةُ الْكَدِرَةُ وَإِنِ اتَّصَلَ بِهِ نُورُ الْقُرْآنِ لم يظهر فيه مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ تَمْثِيلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْضَ السَّبِخَةَ يَقِلُّ نَفْعُهَا وَثَمَرَتُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَا يُهْمِلُ أَمْرَهَا بَلْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي إِصْلَاحِهَا طَمَعًا مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ فَمَنْ طَلَبَ هَذَا النَّفْعَ الْيَسِيرَ بِالْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ فَلَأَنْ يَطْلُبَ النَّفْعَ الْعَظِيمَ الْمَوْعُودَ بِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست