responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 288
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
[الأعراف: 54] ثُمَّ نَقُولُ: حَدُّ الرِّيحِ أَنَّهُ هَوَاءٌ مُتَحَرِّكٌ فَنَقُولُ: كَوْنُ هَذَا الْهَوَاءِ مُتَحَرِّكًا لَيْسَ لِذَاتِهِ وَلَا لِلَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَإِلَّا لَدَامَتِ الْحَرَكَةُ بِدَوَامِ ذَاتِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِتَحْرِيكِ الْفَاعِلِ المختار وهو اللَّه جل جلاله. قالت الفلاسفة: هاهنا سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ أَجْزَاءٌ أَرْضِيَّةٌ لَطِيفَةٌ تُسَخِّنُهُ تَسْخِينًا قَوِيًّا شَدِيدًا فَبِسَبَبِ تِلْكَ السُّخُونَةِ الشَّدِيدَةِ تَرْتَفِعُ وَتَتَصَاعَدُ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى الْقُرْبِ مِنَ الْفَلَكِ كَانَ الْهَوَاءُ الْمُلْتَصِقُ بِمُقَعَّرِ الْفَلَكِ مُتَحَرِّكًا عَلَى اسْتِدَارَةِ الْفَلَكِ بِالْحَرَكَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِتِلْكَ الطَّبَقَةِ مِنَ الْهَوَاءِ فَيَمْنَعُ هَذِهِ الْأَدْخِنَةَ مِنَ الصُّعُودِ بَلْ يَرُدُّهَا عَنْ سَمْتِ حَرَكَتِهَا فَحِينَئِذٍ تَرْجِعُ تِلْكَ الْأَدْخِنَةُ وَتَتَفَرَّقُ فِي الْجَوَانِبِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ التَّفَرُّقِ تَحْصُلُ الرِّيَاحُ، ثُمَّ كَلَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَدْخِنَةُ أَكْثَرَ، وَكَانَ صُعُودُهَا أَقْوَى كَانَ رُجُوعُهَا أَيْضًا أَشَدَّ حَرَكَةً فَكَانَتِ الرِّيَاحُ أَقْوَى وَأَشَدَّ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ صُعُودَ الْأَجْزَاءِ الْأَرْضِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ شِدَّةِ تَسْخِينِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ التَّسَخُّنَ عَرَضٌ لِأَنَّ الْأَرْضَ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ بِالطَّبْعِ فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْأَرْضِيَّةُ مُتَصَعِّدَةً جِدًّا كَانَتْ سَرِيعَةَ الِانْفِعَالِ فَإِذَا تَصَاعَدَتْ ووصلت الى الطبقة البادرة مِنَ الْهَوَاءِ امْتَنَعَ بَقَاءُ الْحَرَارَةِ فِيهَا بَلْ تَبْرُدُ جِدًّا وَإِذَا بَرَدَتِ امْتَنَعَ بُلُوغُهَا فِي الصُّعُودِ إِلَى الطَّبَقَةِ الْهَوَائِيَّةِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هَبْ أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ الدُّخَّانِيَّةَ صَعَدَتْ إِلَى الطَّبَقَةِ الْهَوَائِيَّةِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ لَكِنَّهَا لَمَّا رَجَعَتْ وَجَبَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ جِسْمٌ ثَقِيلٌ وَالثَّقِيلُ إِنَّمَا يَتَحَرَّكُ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالرِّيَاحُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تَتَحَرَّكُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ حَرَكَةَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الْأَرْضِيَّةِ النَّازِلَةِ لَا تَكُونُ حَرَكَةً قَاهِرَةً فَإِنَّ الرِّيَاحَ إِذَا أَحْضَرَتِ الْغُبَارَ الْكَثِيرَ ثُمَّ عَادَ ذَلِكَ الْغُبَارُ وَنَزَلَ عَلَى السُّطُوحِ لَمْ يُحِسَّ أَحَدٌ بِنُزُولِهَا وَتَرَى هَذِهِ الرِّيَاحَ تَقْلَعُ الْأَشْجَارَ وَتَهْدِمُ الْجِبَالَ وَتَمُوجُ الْبِحَارُ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَكَانَتِ الرِّيَاحُ كُلَّمَا كَانَتْ أَشَدَّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْأَجْزَاءِ الْغُبَارِيَّةِ الْأَرْضِيَّةِ أَكْثَرَ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيَاحَ قَدْ يَعْظُمُ عُصُوفُهَا وَهُبُوبُهَا فِي وَجْهِ الْبَحْرِ مَعَ أَنَّ الْحِسَّ يَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْهَوَاءِ الْمُتَحَرِّكِ الْعَاصِفِ شَيْءٌ مِنَ الْغُبَارِ وَالْكُدْرَةِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ وَبَطَلَ بِهَذَا الْوَجْهِ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي حَرَكَةِ الرِّيَاحِ. قَالَ الْمُنَجِّمُونَ: إِنَّ قُوَى الْكَوَاكِبِ هِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ هَذِهِ الرِّيَاحَ وَتُوجِبُ هُبُوبَهَا وَذَلِكَ أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِهُبُوبِ الرِّيَاحِ إِنْ كَانَ طَبِيعَةَ الْكَوَاكِبِ وَجَبَ دَوَامُ الرِّيَاحِ بِدَوَامِ تِلْكَ الطَّبِيعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ طَبِيعَةَ الْكَوْكَبِ بِشَرْطِ حُصُولِهِ فِي الْبُرْجِ الْمُعَيَّنِ وَالدَّرَجَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَجَبَ أَنْ يَتَحَرَّكَ هَوَاءُ كُلِّ الْعَالَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَيْضًا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ بِاخْتِصَاصِ الْكَوْكَبِ الْمُعَيَّنِ وَالْبُرْجِ الْمُعَيَّنِ فَالطَّبِيعَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ الْأَثَرَ الْخَاصَّ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بِتَخْصِيصِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ فَثَبَتَ بِهَذَا الْبُرْهَانِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مُحَرِّكَ الرِّيَاحِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ صحة قوله: هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ.
المسألة الثالثة: قوله: بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ فِيهِ فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: نَشْراً أَيْ مُنَشَّرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الرِّيحِ يَذْهَبُ يَمْنَةً وَجُزْءٌ آخَرَ يَذْهَبُ يَسْرَةً وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَذْهَبُ إِلَى جَانِبٍ آخَرَ فَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ طَبِيعَةَ الْهَوَاءِ طَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَنِسْبَةُ الْأَفْلَاكِ وَالْأَنْجُمِ وَالطَّبَائِعِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست