responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 195
نَعْرِفْ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ نُبُوَّتَهُ وَمَا لَمْ نَعْرِفْ نُبُوَّتَهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا كَوْنَ هَذِهِ السُّورَةِ نَازِلَةً عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: لَزِمَ الدَّوْرُ.
قُلْنَا: نَحْنُ بِمَحْضِ الْعَقْلِ نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَلْمَذَ لِأُسْتَاذٍ وَلَا تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمٍ وَلَا طَالَعَ كِتَابًا وَلَمْ يُخَالِطِ الْعُلَمَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَأَهْلَ الْأَخْبَارِ وَانْقَضَى مِنْ عُمُرِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعِينَ ظَهَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يَشْهَدُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِطَرِيقِ الْوَحْيِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَثَبَتَ بِهَذَا الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ المص كِتَابٌ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُنَزَّلًا وَالْإِنْزَالُ يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْقَدِيمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ.
وَجَوَابُهُ: إِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْإِنْزَالِ وَالتَّنْزِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ هُوَ هَذِهِ الْحُرُوفُ وَلَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهَا مُحْدَثَةً مَخْلُوقَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْحُرُوفُ إِلَّا أَنَّ الْحُرُوفَ أَعْرَاضٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مُتَوَالِيَةٌ/ وَكَوْنُهَا مُتَوَالِيَةً يُشْعِرُ بِعَدَمِ بَقَائِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَرَضُ الَّذِي لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ كَيْفَ يُعْقَلُ وَصْفُهُ بِالنُّزُولِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَحْدَثَ هَذِهِ الرُّقُومَ وَالنُّقُوشَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ يُطَالِعُ تِلْكَ النُّقُوشَ وَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَيُعَلِّمُ مُحَمَّدًا تِلْكَ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَاتِ فَكَانَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ تِلْكَ الْحُرُوفِ نَازِلَةً هُوَ أَنَّ مُبَلِّغَهَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الَّذِينَ أَثْبَتُوا لِلَّهِ مَكَانًا تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إِنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَكَلِمَةَ «إِلَى» لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَقَوْلُهُ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ يَقْتَضِي حُصُولَ مَسَافَةٍ مَبْدَؤُهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَغَايَتُهَا مُحَمَّدٌ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِجِهَةِ فَوْقُ لِأَنَّ النُّزُولَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ.
وَجَوَابُهُ: لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ أَنَّ الْمَكَانَ وَالْجِهَةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَلَكَ انْتَقَلَ بِهِ مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى أَسْفَلَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ وَفِي تَفْسِيرِ الْحَرَجِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْحَرَجُ الضِّيقُ وَالْمَعْنَى: لَا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِسَبَبِ أَنْ يُكَذِّبُوكَ فِي التَّبْلِيغِ. وَالثَّانِي: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ أَيْ شَكٌّ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [يُونُسَ: 94] وَسُمِّي الشَّكُّ حَرَجًا لِأَنَّ الشَّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ حَرِجُ الصَّدْرِ كَمَا أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ مُنْفَسِحُ الْقَلْبِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِتُنْذِرَ بِهِ هَذِهِ «اللَّامُ» بِمَاذَا تَتَعَلَّقُ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ:
أُنْزِلَ إِلَيْكَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيرُ: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ بِهِ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ؟.
قُلْنَا: لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِنْذَارِ وَالتَّبْلِيغِ لَا يَتِمُّ وَلَا يَكْمُلُ إِلَّا عِنْدَ زَوَالِ الْحَرَجِ عَنِ الصَّدْرِ فَلِهَذَا السبب

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 195
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست