responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 484
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَحْكَامُ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ إِنَّهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، الَّذِي يُرَغِّبُهُمْ بِهِ تَارَةً وَيُحَذِّرُهُمْ بِسَبَبِهِ أُخْرَى، وَالْأَوْلَى دُخُولُ الْكُلِّ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءِ، فيجب أن يكون المراد بالأنباء الأنباء لَا نَفْسَ الْأَنْبَاءِ بَلِ الْعَذَابُ الَّذِي أَنْبَأَ اللَّه تَعَالَى بِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص: 88] وَالْحَكِيمُ إِذَا تَوَعَّدَ فَرُبَّمَا قَالَ سَتَعْرِفُ نَبَأَ هذا الأمر إذا نَزَلَ بِكَ مَا تَحْذَرُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْخَبَرِ الَّذِي هُوَ الْوَعِيدُ حُصُولُ الْعِلْمِ/ بِالْعِقَابِ الَّذِي يَنْزِلُ فَنَفْسُ الْعِقَابِ إِذَا نَزَلَ يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْخَبَرَ، حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ. ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَذَابَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَذَابَ الْآخِرَةِ.

[سورة الأنعام (6) : آية 6]
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6)
اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا مَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْإِعْرَاضِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَوْعِظَةِ وَالنَّصِيحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَوَعَظَهُمْ بِسَائِرِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، كَقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْقَرْنُ؟ قُلْنَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقَرْنُ الْقَوْمُ الْمُقْتَرِنُونَ فِي زَمَانٍ مِنَ الدَّهْرِ فَالْمُدَّةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا قَوْمٌ ثُمَّ يَفْتَرِقُونَ بِالْمَوْتِ فَهِيَ قَرْنٌ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُمْ أَقْوَامٌ آخَرُونَ اقْتَرَنُوا فَهُمْ قَرْنٌ آخَرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي»
وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْأَقْرَانِ، وَلَمَّا كَانَ أَعْمَارُ النَّاسِ فِي الْأَكْثَرِ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ وَالثَّمَانِينَ لَا جَرَمَ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَرْنُ هُوَ السِّتُّونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ السَّبْعُونَ، وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الثَّمَانُونَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ لَا يَقَعُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ فَإِذَا انْقَضَى مِنْهُمُ الْأَكْثَرُ قِيلَ قَدِ انْقَضَى الْقَرْنُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الصِّفَاتِ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مَكَّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ جَعَلَ لَهُ مَكَانًا وَنَحْوَهُ فِي أَرْضٍ لَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ [الْكَهْفِ: 84] أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ [الْقَصَصِ: 57] وَأَمَّا مَكَّنْتُهُ فِي الْأَرْضِ، فَمَعْنَاهُ أَثْبَتُّهُ فِيهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الْأَحْقَافِ: 26] وَلِتَقَارُبِ الْمَعْنَيَيْنِ جَمَعَ اللَّه بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَالْمَعْنَى لَمْ نُعْطِ أَهْلَ/ مَكَّةَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْنَا عَادًا وَثَمُودَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْبَسْطَةِ فِي الْأَجْسَامِ وَالسَّعَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَالِاسْتِظْهَارِ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً يُرِيدُ الْغَيْثَ وَالْمَطَرَ، فَالسَّمَاءُ مَعْنَاهُ المطر هاهنا، وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدَّرِّ وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ دَرَّ اللَّبَنُ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْحَالِبِ مِنْهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَالْمِدْرَارُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَعْتِ السَّحَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَعْتِ الْمَطَرِ يُقَالُ سَحَابٌ مِدْرَارٌ إِذَا تَتَابَعَ أَمْطَارُهُ. وَمِفْعَالٌ يَجِيءُ فِي نَعْتٍ يُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ مِدْراراً مُتَتَابِعًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيَسْتَوِي فِي الْمِدْرَارِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 484
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست