responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 451
الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ
[الْبَقَرَةِ: 180] قَالُوا وَقَوْلُهُ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ زَمَانَ حُضُورِ الْمَوْتِ غَيْرَ زَمَانِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ هذه الملازمة عند وجوب الوصية.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ حَذْفٌ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَشْهَدَ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: شَهَادَةُ مَا بَيْنَكُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ الْمَوْصُوفِ، هِيَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْحَذْفُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ مِنْكُمْ، عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ: اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يَعْنِي أَوْ شَهَادَةَ آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ إِذَا كُنْتُمْ فِي السَّفَرِ، فَالْعَدْلَانِ الْمُسْلِمَانِ صَالِحَانِ لِلشَّهَادَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ جُرَيْجٍ. قَالُوا: إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي الْغُرْبَةِ، وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ أَوِ الْمَجُوسِيَّ أَوْ عَابِدَ الْوَثَنِ أَوْ أَيَّ كَافِرٍ كَانَ وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ، وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: مَرِضَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغُرْبَةِ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ وَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَكَانَ وَالِيًا عليها فأخبراه بالواقعة وقد ما تَرِكَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا أَمْرٌ لم يكن بعد لذي كَانَ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ حَلَّفَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، باللَّه أَنَّهُمَا مَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَأَجَازَ شَهَادَتَهُمَا، ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا الْحُكْمُ بَقِيَ مُحْكَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صَارَ مَنْسُوخًا.
الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ قَوْلَهُ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَقَارِبِكُمْ وَقَوْلَهُ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ مِنَ الْأَجَانِبِ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ إِنْ تُوُقِّعَ الْمَوْتُ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِكُمْ، فَاسْتَشْهِدُوا أَجْنَبِيَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَجَعَلَ الْأَقَارِبَ أَوَّلًا لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ الْمَيِّتِ وَهُمْ بِهِ أَشْفَقُ، وَبِوَرَثَتِهِ أَرْحَمُ وَأَرْأَفُ، وَاحْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِوُجُوهٍ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أول الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فعم بِهَذَا الْخِطَابِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا قَالَ بَعْدَهُ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ كَانَ الْمُرَادُ أَوْ آخَرَانِ مِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَا مَحَالَةَ.
الْحُجَّةُ الثانية: أنه قَالَ تَعَالَى: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا يَدُلُّ/ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِشْهَادِ بِهَذَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الْمُسْتَشْهِدِ فِي السَّفَرِ، فَلَوْ كَانَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِهِمَا مَشْرُوطًا بِالسَّفَرِ، لِأَنَّ اسْتِشْهَادَ الْمُسْلِمِ جَائِزٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلِفِ عَلَى هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ الْمُسْلِمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شَهَادَةِ النَّصْرَانِيَّيْنِ عَلَى بَدِيلٍ وَكَانَ مُسْلِمًا.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست