responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 411
دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ
وَالْغُلُوُّ نَقِيضُ التَّقْصِيرِ. وَمَعْنَاهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَدِينَ اللَّه بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ. وَقَوْلُهُ غَيْرَ الْحَقِّ صِفَةُ الْمَصْدَرِ، أَيْ/ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غُلُوًّا غَيْرَ الْحَقِّ، أَيْ غُلُوًّا بَاطِلًا، لِأَنَّ الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ نَوْعَانِ: غُلُوُّ حَقٍّ، وَهُوَ أَنْ يُبَالَغَ فِي تَقْرِيرِهِ وَتَأْكِيدِهِ، وَغُلُوُّ بَاطِلٍ وَهُوَ أَنْ يُتَكَلَّفَ فِي تَقْرِيرِ الشُّبَهِ وَإِخْفَاءِ الدَّلَائِلِ، وَذَلِكَ الْغُلُوُّ هُوَ أَنَّ الْيَهُودَ لَعَنَهُمُ اللَّه نَسَبُوهُ إِلَى الزِّنَا. وَإِلَى أَنَّهُ كَذَّابٌ، وَالنَّصَارَى ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى: الأهواء هاهنا الْمَذَاهِبُ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا الشَّهْوَةُ دُونَ الْحُجَّةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا ذَكَرَ اللَّه لَفْظَ الْهَوَى فِي الْقُرْآنِ إِلَّا ذَمَّهُ. قَالَ: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص: 26] وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى [طه: 16] وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النَّجْمِ: 3] أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الْجَاثِيَةِ: 23] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
لَمْ نَجِدِ الْهَوَى يُوضَعُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الشَّرِّ. لَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَهْوَى الْخَيْرَ، إِنَّمَا يُقَالُ: يُرِيدُ الْخَيْرَ وَيُحِبُّهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَوَى إِلَهٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّه. وَقِيلَ: سُمِّيَ الْهَوَى هَوًى لِأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ، وَأَنْشَدَ فِي ذَمِّ الْهَوَى:
إِنَّ الْهَوَى لَهُوَ الْهَوَانُ بِعَيْنِهِ ... فَإِذَا هَوَيْتَ فقد لقيت هوانا
وقال رجل لا بن عَبَّاسٍ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ هَوَايَ عَلَى هَوَاكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ هَوًى ضَلَالَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ فِي الضَّلَالِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا ضَالِّينَ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُضِلِّينَ لِغَيْرِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ حَتَّى إِنَّهُمُ الْآنَ ضَالُّونَ كَمَا كَانُوا، وَلَا نجد حالة أقرب إلى البعد مِنَ اللَّه وَالْقُرْبِ مِنْ عِقَابِ اللَّه تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ. نَعُوذُ باللَّه مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ:
أَنَّهُمْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا، ثُمَّ ضَلُّوا بِسَبَبِ اعْتِقَادِهِمْ فِي ذَلِكَ الْإِضْلَالِ أَنَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى الْحَقِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّلَالِ الْأَوَّلِ الضَّلَالَ عَنِ الدِّينِ، وَبِالضَّلَالِ الثَّانِي الضَّلَالَ عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَاطَبَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِهَذَا الْخِطَابِ وَصَفَ أسلافهم فقال تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 78]
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78)
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي أَصْحَابَ السَّبْتِ، وَأَصْحَابَ الْمَائِدَةِ. أَمَّا أَصْحَابُ السَّبْتِ فَهُوَ أَنَّ قَوْمَ دَاوُدَ، وَهُمْ أَهْلُ «أَيْلَةَ» لَمَّا اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ قَالَ دَاوُدُ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَاجْعَلْهُمْ آيَةً فَمُسِخُوا قِرَدَةً، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَائِدَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَكَلُوا مِنَ الْمَائِدَةِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا قَالَ عِيسَى: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ كَمَا لَعَنْتَ أَصْحَابَ السَّبْتِ فَأَصْبَحُوا خَنَازِيرَ، وَكَانُوا/ خَمْسَةَ آلَافِ رَجُلٍ مَا فِيهِمُ امْرَأَةٌ وَلَا صَبِيٌّ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِأَنَّا مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ لِتَدُلَّ عَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 411
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست