responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 389
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ الْحَسَنُ هَلْ تَنْقِمُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْفَصِيحُ كَسْرُهَا. يُقَالُ: نَقِمْتُ الشَّيْءَ وَنَقَمْتُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا إِذَا أَنْكَرْتَهُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ عِبَارَاتٌ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا: هَلْ تَعِيبُونَ هَلْ تُنْكِرُونَ، هَلْ تَكْرَهُونَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ الْعِقَابُ نِقْمَةً لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَا يُنْكَرُ مِنَ الْفِعْلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَرَاهَةُ الَّتِي يَتْبَعُهَا سُخْطٌ مِنَ الْكَارِهِ تُسَمَّى نِقْمَةً، لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا النِّقْمَةُ الَّتِي هِيَ الْعَذَابُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَفْظُ النِّقْمَةِ مَوْضُوعٌ أَوَّلًا لِلْمَكْرُوهِ، ثُمَّ سُمِّيَ الْعَذَابُ نِقْمَةً لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَفْظُ النِّقْمَةِ مَوْضُوعٌ لِلْعَذَابِ، ثُمَّ سَمِّيَ الْمُنْكَرُ وَالْمَكْرُوهُ نِقْمَةً لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ الْعَذَابُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ: لِمَ اتَّخَذْتُمْ هَذَا الدِّينَ هُزُوًا وَلَعِبًا، ثُمَّ قَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ: هَلْ تَجِدُونَ فِي هَذَا الدِّينِ إِلَّا الْإِيمَانَ باللَّه وَالْإِيمَانَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ مُحَمَّدٍ! يَعْنِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُنْقَمُ، أَمَّا الْإِيمَانُ باللَّه فَهُوَ رَأْسُ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ، وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ إِلَى تَصْدِيقِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فِي ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ هُوَ الْمُعْجِزُ، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّ الْمُعْجِزَ حَصَلَ عَلَى يَدِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِكَوْنِهِ رَسُولًا، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْبَعْضِ وَإِنْكَارُ الْبَعْضِ فَذَلِكَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ، وَمَذْهَبٌ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ هُوَ الدين الحق والطريق المستقيم، فلم تنقموه عَلَيْنَا!
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: أُومِنُ باللَّه وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِلَى قَوْلِهِ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: واللَّه مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ فَالْقِرَاءَةُ الْعَامَّةُ أَنْ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَقَرَأَ نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ إِنَّ بِالْكَسْرِ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ يَنْقِمُ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ كَوْنِ أَكْثَرِ الْيَهُودِ فَاسِقِينَ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ تَخْصِيصٌ لَهُمْ بِالْفِسْقِ، فَيَدُلُّ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيضِ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَبِّعُوهُمْ عَلَى فِسْقِهِمْ، فَكَانَ الْمَعْنَى: وَمَا تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا. وَمَا فَسَقْنَا مِثْلَكُمْ، الثَّانِي:
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَنْقِمُ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْقَمُ ذَكَرَ فِي مُقَابِلِهِ/ فِسْقَهُمْ، وَهُوَ مِمَّا يُنْقَمُ، وَمِثْلُ هَذَا حَسَنٌ فِي الِازْدِوَاجِ. يَقُولُ الْقَائِلُ: هَلْ تَنْقِمُ مِنِّي إِلَّا أَنِّي عَفِيفٌ وَأَنَّكَ فَاجِرٌ، وَأَنِّي غَنِيٌّ وَأَنْتَ فَقِيرٌ، فَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِإِتْمَامِ الْمَعْنَى عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى (مَعَ) أَيْ وَمَا تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا الْإِيمَانَ باللَّه مَعَ أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ، فَإِنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ وَاكْتَسَبَ الثَّانِي شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ كَانَ اكْتِسَابُهُ لِلصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ مَعَ كَوْنِ خَصْمِهِ مُكْتَسِبًا لِلصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ أَشَدَّ تَأْثِيرًا فِي وُقُوعِ الْبُغْضِ وَالْحَسَدِ فِي قَلْبِ الْخَصْمِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ وَاعْتِقَادُ أَنَّكُمْ فَاسِقُونَ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَا تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا بِأَنْ آمَنَّا باللَّه وَبِأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ، يَعْنِي بِسَبَبِ فِسْقِكُمْ نَقَمْتُمُ الْإِيمَانَ عَلَيْنَا. السَّادِسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مَعْطُوفًا عَلَى تَعْلِيلٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قِيلَ:
وَمَا تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا الْإِيمَانَ لِقِلَّةِ إِنْصَافِكُمْ، وَلِأَجْلِ أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست