responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 381
لِعَلِيٍّ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الصِّفَاتِ كَوْنُهُ كَرَّارًا غَيْرَ فَرَّارٍ، فَلَمَّا انْتَفَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَحْصُلْ مَجْمُوعُ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَهُ، فَكَفَى هَذَا فِي الْعَمَلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، فَأَمَّا انْتِفَاءُ جَمِيعِ تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا دَلَالَةَ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ، فَهُوَ تَعَالَى إِنَّمَا أَثْبَتَ هَذِهِ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَالَ اشْتِغَالِهِ بِمُحَارَبَةِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَبْ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ مَا كَانَتْ حَاصِلَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ حُصُولِهَا فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ تَمَسُّكٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَمَا ذَكَرُوهُ تَمَسُّكٌ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ الْمَنْقُولِ بِالْآحَادِ، وَلِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحِبًّا للَّه وَلِرَسُولِهِ. وَكَوْنِ اللَّه مُحِبًّا لَهُ وَرَاضِيًا عَنْهُ. قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَلَسَوْفَ يَرْضى [اللَّيْلِ: 21]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ اللَّه يَتَجَلَّى لِلنَّاسِ عَامَّةً وَيَتَجَلَّى لِأَبِي بَكْرٍ خَاصَّةً»
وَقَالَ: «مَا صَبَّ اللَّه شَيْئًا فِي صَدْرِي إِلَّا وَصَبَّهُ فِي صَدْرِ أَبِي بَكْرٍ»
وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّه وَرَسُولُهُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُمْ: الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ دَالَّةٌ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَازِلَةً فِي عَلِيٍّ، فَجَوَابُنَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ دَلَالَةَ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَسَنَذْكُرُ الْكَلَامَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، فَهَذَا مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْبَحْثِ واللَّه أَعْلَمُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْمَحَبَّةِ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [الْبَقَرَةِ: 165] فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ. وَفِيهِ دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ مَحَبَّتَهُ لَهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَحَبَّهُمْ وَإِلَّا لَمَا وَفَّقَهُمْ حَتَّى صَارُوا مُحِبِّينَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ/ بَيْنَهُمْ [الْفَتْحِ: 29] قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَذِلَّةٌ جَمْعُ ذَلِيلٍ، وَأَمَّا ذَلُولٌ فَجَمْعُهُ ذُلُلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ أَذِلَّةً هُوَ أَنَّهُمْ مُهَانُونَ، بَلِ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي وَصْفِهِمْ بِالرِّفْقِ وَلِينِ الْجَانِبِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ ذَلِيلًا عِنْدَ إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ أَلْبَتَّةَ لَا يُظْهِرُ شَيْئًا مِنَ التَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ، بَلْ لا يظهر إلا الرفق واللين فكذا هاهنا، فَقَوْلُهُ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ أَيْ يُظْهِرُونَ الْغِلْظَةَ وَالتَّرَفُّعَ عَلَى الْكَافِرِينَ. وَقِيلَ: يُعَازُونَهُمْ أَيْ يُغَالِبُونَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَزَّهُ يُعِزُّهُ إِذَا غَلَبَهُ، كَأَنَّهُمْ مُشَدِّدُونَ عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قِيلَ: أَذِلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ.
قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضَمِّنَ الذُّلَّ مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: رَاحِمِينَ عَلَيْهِمْ مُشْفِقِينَ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّوَاضُعِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ كَلِمَةَ عَلَى حَتَّى يَدُلَّ عَلَى عُلُوِّ مَنْصِبِهِمْ وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِهِمْ، فَيُفِيدَ أَنَّ كَوْنَهُمْ أَذِلَّةً لَيْسَ لِأَجْلِ كَوْنِهِمْ ذَلِيلِينِ فِي أَنْفُسِهِمْ، بَلْ ذَاكَ التَّذَلُّلُ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَضُمُّوا إِلَى عُلُوِّ مَنْصِبِهِمْ فَضِيلَةَ التَّوَاضُعِ. وَقُرِئَ (أَذِلَّةً وَأَعِزَّةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ لِنُصْرَةِ دِينِ اللَّه وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاوُ لِلْحَالِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُرَاقِبُونَ الْكُفَّارَ وَيَخَافُونَ لَوْمَهُمْ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَخَافُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّه بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه لَا لِغَرَضٍ آخَرَ، وَمِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ صِلَابٌ فِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 381
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست