responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 339
وَحَقِيقَةُ التَّقْوَى أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ مِنْ تَقْصِيرِ نَفْسِهِ فِي تِلْكَ الطَّاعَةِ فَيَتَّقِيَ بِأَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَنْ جِهَاتِ التَّقْصِيرِ، وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الِاتِّقَاءِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِتِلْكَ الطَّاعَةِ لِغَرَضٍ سِوَى طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى. وَثَالِثُهَا: أَنَّ يَتَّقِيَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ اللَّه فِيهِ شَرِكَةٌ، وَمَا أَصْعَبَ رِعَايَةَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ! وَقِيلَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ:
إِنَّ أَحَدَهُمَا جَعَلَ قُرْبَانَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ مَعَهُ، وَالْآخَرَ جَعَلَ قُرْبَانَهُ أَرْدَأَ مَا كَانَ مَعَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ أَضْمَرَ أَنَّهُ لَا يُبَالِي سَوَاءً قُبِلَ أَوْ لَمْ يُقْبَلْ وَلَا يُزَوِّجُ أُخْتَهُ مِنْ هَابِيلَ. وَقِيلَ: كَانَ قَابِيلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّه قُرْبَانَهُ.
ثُمَّ حَكَى اللَّه تَعَالَى عَنْ قَابِيلَ أَنَّهُ قَالَ لِهَابِيلَ لَأَقْتُلَنَّكَ فَقَالَ هَابِيلُ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَأَنَّ هَابِيلَ قَالَ: لِمَ تَقْتُلُنِي؟ قَالَ لِأَنَّ قُرْبَانَكَ صَارَ مَقْبُولًا، فَقَالَ هَابِيلُ: وَمَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّه مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَقِيلَ: هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْقِصَّةِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَقْبَلْ قُرْبَانَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّقِيًا. ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنِ الْأَخِ الْمَظْلُومِ أَنَّهُ قَالَ:

[سورة المائدة (5) : آية 28]
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28)
السؤال الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَمْ يَدْفَعِ الْقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الدَّفْعَ عَنِ النَّفْسِ وَاجِبٌ؟ وَهَبْ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَلِمَ قَالَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الأول: يحتمل أن يقال: لا ح لِلْمَقْتُولِ بِأَمَارَاتٍ تَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ، يَعْنِي أَنَا لَا أُجَوِّزُ مِنْ نَفْسِي أَنْ أَبْدَأَكَ بِالْقَتْلِ الظُّلْمِ الْعُدْوَانِ، وَإِنَّمَا لَا أَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنَ اللَّه تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ إِقْدَامِ الْقَاتِلِ عَلَى قَتْلِهِ وَكَانَ غَرَضُهُ مِنْهُ تَقْبِيحَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ فِي قَلْبِهِ، وَلِهَذَا يُرْوَى أَنَّ قَابِيلَ صَبَرَ حَتَّى نَامَ هَابِيلُ فَضَرَبَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ فَقَتَلَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ: أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ قَوْلُهُ مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ يَعْنِي لَا أَبْسُطُ يَدِيَ إِلَيْكَ لِغَرَضِ قَتْلِكَ، وَإِنَّمَا أَبْسُطُ يَدِيَ إِلَيْكَ لِغَرَضِ الدَّفْعِ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: الدَّافِعُ عَنْ نَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ الدَّفْعَ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِالْقَتْلِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَقْصُودُ بِالْقَتْلِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَكَذَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ.
وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ: «أَلْقِ كُمَّكَ عَلَى وَجْهِكَ وَكُنْ عَبْدَ اللَّه الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّه الْقَاتِلَ» .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: وُجُوبُ الدَّفْعِ عَنِ النَّفْسِ أَمْرٌ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الدَّفْعَ عَنِ النَّفْسِ مَا كَانَ مُبَاحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ جَاءَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ، وَالْجَزَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست