responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 271
[في قوله تعالى يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ إلى قوله وَرُوحٌ مِنْهُ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَجَابَ عَنْ شُبُهَاتِ الْيَهُودِ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ النَّصَارَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالتَّقْدِيرُ:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ النَّصَارَى لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ أَيْ لَا تُفْرِطُوا فِي تَعْظِيمِ الْمَسِيحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الطَّعْنِ فِي الْمَسِيحِ، وَهَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِهِ وَكِلَا طَرَفَيْ قَصْدِهِمْ ذَمِيمٌ، فَلِهَذَا قَالَ لِلنَّصَارَى لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَقَوْلُهُ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ يَعْنِي لَا تَصِفُوا اللَّه بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ أَوْ رُوحِهِ، وَنَزِّهُوهُ عَنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَلَمَّا مَنَعَهُمْ عَنْ طَرِيقِ الْغُلُوِّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّه وَعَبْدُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.
فَاعْلَمْ أَنَّا فَسَّرْنَا (الْكَلِمَةَ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ [آلِ عِمْرَانَ: 45] وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وُجِدَ بِكَلِمَةِ اللَّه وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَا نُطْفَةٍ كَمَا قَالَ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آلِ عِمْرَانَ: 59] أما قَوْلُهُ وَرُوحٌ مِنْهُ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنَّهُمْ إِذَا وَصَفُوا شَيْئًا بِغَايَةِ الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ قَالُوا: إِنَّهُ رُوحٌ، فَلَمَّا كَانَ عِيسَى لَمْ يَتَكَوَّنْ مِنْ نُطْفَةِ الْأَبِ وَإِنَّمَا تَكَوَّنُ مِنْ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا جَرَمَ وُصِفَ بِأَنَّهُ رُوحٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْهُ التَّشْرِيفُ وَالتَّفْضِيلُ كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّه، وَالْمُرَادُ كَوْنُ تِلْكَ النِّعْمَةِ كَامِلَةً شَرِيفَةً. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِحَيَاةِ الْخَلْقِ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وُصِفَ بِأَنَّهُ رُوحٌ. قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى: 52] الثَّالِثُ: رُوحٌ مِنْهُ أَيْ رَحْمَةٌ مِنْهُ، قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [الْمُجَادَلَةِ: 22] أَيْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» فَلَمَّا كَانَ عِيسَى رَحْمَةً مِنَ اللَّه عَلَى الْخَلْقِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ كَانَ يُرْشِدُهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ لَا جَرَمَ سُمِّيَ رُوحًا مِنْهُ. الرَّابِعُ: / أَنَّ الرُّوحَ هُوَ النَّفْخُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الرُّوحَ وَالرِّيحَ مُتَقَارِبَانِ، فَالرُّوحُ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ وَقَوْلُهُ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ النَّفْخَ مِنْ جِبْرِيلَ كَانَ بِأَمْرِ اللَّه وَإِذْنِهِ فَهُوَ مِنْهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [الأنبياء: 91] الْخَامِسُ: قَوْلُهُ رُوحٌ أَدْخَلَ التَّنْكِيرَ فِي لَفْظِ رُوحٌ وَذَلِكَ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ، فَكَانَ الْمَعْنَى: وَرُوحٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الشَّرِيفَةِ الْقُدُسِيَّةِ الْعَالِيَةِ، وَقَوْلُهُ مِنْهُ إِضَافَةٌ لِذَلِكَ الرُّوحِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ التَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أَيْ أَنَّ عِيسَى مِنْ رُسُلِ اللَّه فَآمِنُوا بِهِ كَإِيمَانِكُمْ بِسَائِرِ الرُّسُلِ وَلَا تَجْعَلُوهُ إِلَهًا.
ثُمَّ قَالَ: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَعْنَى: وَلَا تَقُولُوا إِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ بِالْجَوْهَرِ ثَلَاثَةٌ بِالْأَقَانِيمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ النَّصَارَى مَجْهُولٌ جِدًّا، وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ وَإِنْ سَمَّوْهَا صِفَاتٍ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ذَوَاتٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهَا الْحُلُولَ فِي عِيسَى وَفِي مَرْيَمَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست