responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 252
[سورة النساء (4) : آية 146]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِيهَا تَغْلِيظَاتٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي إِزَالَةِ الْعِقَابِ عَنْهُمْ أُمُورًا أَرْبَعَةً: أَوَّلُهَا: التَّوْبَةُ، وَثَانِيهَا: إِصْلَاحُ الْعَمَلِ، فَالتَّوْبَةُ عَنِ الْقَبِيحِ، وَإِصْلَاحُ الْعَمَلِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحَسَنِ، وَثَالِثُهَا: الِاعْتِصَامُ باللَّه، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ طَلَبَ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى لَا طَلَبَ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبُهُ جَلْبَ الْمَنَافِعِ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ لَتَغَيَّرَ عَنِ التَّوْبَةِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ سَرِيعًا، أَمَّا إِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ مَرْضَاةَ اللَّه تَعَالَى وَسَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَالِاعْتِصَامَ بِدِينِ اللَّه بَقِيَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْهَا. وَرَابِعُهَا: الإخلاص، والسبب فيه أنه تعالى أمرهم الأول: بِتَرْكِ الْقَبِيحِ، وَثَانِيًا: بِفِعْلِ الْحَسَنِ، وَثَالِثًا: أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُمْ فِي ذَلِكَ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ طَلَبَ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى، وَرَابِعًا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَرَضُ وَهُوَ طَلَبُ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى خَالِصًا وَأَنْ لَا يَمْتَزِجَ بِهِ غَرَضٌ آخَرُ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الْأَرْبَعَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَقُلْ فَأُولَئِكَ مُؤْمِنُونَ، ثُمَّ أَوْقَعَ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّشْرِيفِ لِانْضِمَامِ الْمُنَافِقِينَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً وَهَذِهِ الْقَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ حال المنافق شديد عند اللَّه تعالى.

[سورة النساء (4) : آية 147]
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147)
فيه مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَيُعَذِّبُكُمْ لِأَجْلِ التَّشَفِّي، أَمْ لِطَلَبِ النَّفْعِ، أَمْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، كُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ لِذَاتِهِ عَنِ الْحَاجَاتِ، مُنَزَّهٌ عَنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَمْلُ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْقَبِيحِ، فَإِذَا أَتَيْتُمْ بِالْحَسَنِ وَتَرَكْتُمُ الْقَبِيحَ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكَرَمِهِ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى قَوْلِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ/ مَا خَلَقَ خَلْقًا لِأَجْلِ التَّعْذِيبِ وَالْعِقَابِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا لِغَرَضِ التَّعْذِيبِ، وَأَيْضًا الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ الشُّكْرِ وَالْإِيمَانِ هُوَ الْعَبْدُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِعْلًا للَّه تَعَالَى، وَإِلَّا لَصَارَ التَّقْدِيرُ: مَا يَفْعَلُ اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِذَا خَلَقَ الشُّكْرَ وَالْإِيمَانَ فِيكُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّا نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِيمَنْ شَكَرَ وَآمَنَ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الشُّرْبِ أَوِ الزِّنَا، فَهَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يُعَاقَبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ فَإِنْ قَالُوا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ، قُلْنَا: ذَكَرْنَا الْوُجُوهَ الْكَثِيرَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي تَقَدُّمِ الشُّكْرِ عَلَى الْإِيمَانِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ إِنْ آمَنْتُمْ وَشَكَرْتُمْ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ. الثَّانِي: إِذَا قُلْنَا: الْوَاوُ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَظَرَ فِي نَفْسِهِ رَأَى النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ حَاصِلَةً فِي تَخْلِيقِهَا وَتَرْتِيبِهَا فَيَشْكُرُ شُكْرًا مُجْمَلًا، ثُمَّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست