responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 247
وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ كَانُوا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْقَاعِدُونَ مَعَهُمْ وَالْمُوَافِقُونَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَقَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُنَافِقِينَ إِنَّهُ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها وَالْمَعْنَى إِذَا سَمِعْتُمُ الْكُفْرَ بِآيَاتِ اللَّه وَالِاسْتِهْزَاءَ بِهَا، وَلَكِنْ أَوْقَعَ فِعْلَ السَّمَاعِ عَلَى الْآيَاتِ وَالْمُرَادُ بِهِ سَمَاعُ الِاسْتِهْزَاءِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّه يُلَامُ. وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّه حَالَ مَا يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا قَالَ الْكِسَائِيُّ، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ.
وَالْمَعْنَى: أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ أَنْتُمْ مِثْلُ أُولَئِكَ الْأَحْبَارِ فِي الْكُفْرِ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ رَضِيَ بِمُنْكَرٍ يَرَاهُ وَخَالَطَ أَهْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ كَانَ فِي الْإِثْمِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشِرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تعالى ذكر لفظ المثل هاهنا، هَذَا إِذَا كَانَ الْجَالِسُ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْجُلُوسِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ سَاخِطًا لِقَوْلِهِمْ وَإِنَّمَا جَلَسَ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ وَالْخَوْفِ فَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ قُلْنَا بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُجَالِسُونَ الْيَهُودَ، وَكَانُوا يَطْعَنُونَ فِي الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ كَانُوا كَافِرِينَ مِثْلَ أُولَئِكَ الْيَهُودِ، وَالْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ كَانُوا بِمَكَّةَ يُجَالِسُونَ الْكُفَّارَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا بَاقِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُجَالِسُونَ الْيَهُودَ مَعَ الِاخْتِيَارِ، وَالْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُجَالِسُونَ الْكُفَّارَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَقَّقَ كَوْنَ الْمُنَافِقِينَ مِثْلَ الْكَافِرِينَ فِي الْكُفْرِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.
يُرِيدُ كَمَا أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّه فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ يَجْتَمِعُونَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَرَادَ جَامِعٌ بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّهُ بَعْدُ مَا جَمَعَهُمْ وَلَكِنْ حَذَفَ التَّنْوِينَ اسْتِخْفَافًا من اللفظ وهو مراد في الحقيقة.

[سورة النساء (4) : آية 141]
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ إِمَّا بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ، وَإِمَّا صِفَةٌ لِلْمُنَافِقِينَ، وَإِمَّا نَصْبٌ عَلَى الذَّمِّ، وَقَوْلُهُ يَتَرَبَّصُونَ أَيْ يَنْتَظِرُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ أَيْ ظُهُورٌ عَلَى الْيَهُودِ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، أَيْ فَأَعْطُونَا قِسْمًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ يَعْنِي الْيَهُودَ نَصِيبٌ، أَيْ ظَفْرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، يُقَالُ: اسْتَحْوَذَ عَلَى فُلَانٍ، أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَفِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَلَمْ نَغْلِبْكُمْ وَنَتَمَكَّنْ مِنْ قَتْلِكُمْ وَأَسْرِكُمْ ثُمَّ لَمْ نَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ ثَبَّطْنَاهُمْ عَنْكُمْ وَخَيَّلْنَا لَهُمْ مَا ضَعُفَتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَتَوَانَيْنَا فِي مُظَاهَرَتِهِمْ عَلَيْكُمْ فَهَاتُوا لَنَا نَصِيبًا مِمَّا أَصَبْتُمْ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ وَالْيَهُودَ كَانُوا قَدْ هَمُّوا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ حَذَّرُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَبَالَغُوا فِي تَنْفِيرِهِمْ عَنْهُ وَأَطْمَعُوهُمْ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ أَمْرُ مُحَمَّدٍ وَسَيَقْوَى أَمْرُكُمْ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ لَهُمْ صَوْلَةٌ عَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست