responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 229
وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الدِّينُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى إِظْهَارِ كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ للَّه تَعَالَى، وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالتَّرْغِيبِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ.
أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَاعْلَمْ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ: الِاعْتِقَادُ وَالْعَمَلُ: أَمَّا الِاعْتِقَادُ فَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ أَسْلَمَ وَجْهَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ. وَالْوَجْهُ أَحْسَنُ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا عَرَفَ بِقَلْبِهِ رَبَّهُ وَأَقَرَّ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِعُبُودِيَّةِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ فِعْلُ الْحَسَنَاتِ وَتَرْكُ السَّيِّئَاتِ، فَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمُخْتَصَرَةِ وَاحْتِوَائِهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَقَاصِدِ وَالْأَغْرَاضِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ نَفْسَهُ للَّه، وَمَا أَسْلَمَ لِغَيْرِ اللَّه وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ تَفْوِيضِ جَمِيعِ الْأُمُورِ إِلَى الْخَالِقِ وَإِظْهَارِ التَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَأَيْضًا فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَسَادِ طَرِيقَةِ مَنِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِ اللَّه، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَسْتَعِينُونَ بِالْأَصْنَامِ وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه، وَالدَّهْرِيَّةُ وَالطَّبِيعِيُّونَ يَسْتَعِينُونَ. بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ وَالطَّبَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَقُولُونَ فِي دَفْعِ عِقَابِ الْآخِرَةِ عَنْهُمْ: أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالنَّصَارَى كَانُوا يَقُولُونَ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَجَمِيعُ الْفِرَقِ قَدِ اسْتَعَانُوا بِغَيْرِ اللَّه. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مَا أَسْلَمَتْ وُجُوهُهُمْ للَّه لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الطَّاعَةَ الْمُوجِبَةَ لِثَوَابِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَالْمَعْصِيَةَ الْمُوجِبَةَ لِعِقَابِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ فِي/ الْحَقِيقَةِ لَا يَرْجُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَلَا يَخَافُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ فَوَّضُوا التَّدْبِيرَ وَالتَّكْوِينَ وَالْإِبْدَاعَ وَالْخَلْقَ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا مُوجِدَ وَلَا مُؤَثِّرَ إِلَّا اللَّه فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ للَّه وَعَوَّلُوا بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى فَضْلِ اللَّه، وَانْقَطَعَ نَظَرُهُمْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا سِوَى اللَّه.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا دَعَا الْخَلْقَ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَقَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ كُلِّ الْخَلْقِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَّا إِلَى اللَّه تَعَالَى كما قال:
إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الْأَنْعَامِ: 19] وَمَا كَانَ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ فَلَكٍ وَلَا طَاعَةِ كَوْكَبٍ وَلَا سَجْدَةِ صَنَمٍ وَلَا اسْتِعَانَةٍ بِطَبِيعَةٍ، بَلْ كَانَ دِينُهُ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّه وَالْإِعْرَاضَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّه وَدَعْوَةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْخِتَانِ وَفِي الْأَعْمَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَعْبَةِ: مِثْلُ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا وَالطَّوَافِ بِهَا وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَالْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ وَالْكَلِمَاتِ الْعَشْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ [الْبَقَرَةِ: 124] وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ شَرْعَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ إِنَّ شَرْعَ إِبْرَاهِيمَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يَفْتَخِرُونَ بِشَيْءٍ كَافْتِخَارِهِمْ بِالِانْتِسَابِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِمْ مُفْتَخِرِينَ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ شَرْعُ مُحَمَّدٍ مَقْبُولًا عِنْدَ الْكُلِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ حَنِيفاً فَفِيهِ بَحْثَانِ: الْأَوَّلُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا لِلْمَتْبُوعِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا لِلتَّابِعِ، كَمَا إِذَا قُلْتَ: رَأَيْتُ رَاكِبًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاكِبُ حَالًا لِلْمَرْئِيِّ وَالرَّائِي.
الْبَحْثُ الثَّانِي: الْحَنِيفُ الْمَائِلُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَائِلٌ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، لِأَنَّ مَا سِوَاهُ بَاطِلٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَائِلٌ عَنْ كُلِّ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْبَاطِلَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي يُضَادُّهُ فَقَدْ يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي يُجَانِسُهُ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَائِلًا عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ كَالْمَرْكَزِ الَّذِي يَكُونُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الدَّائِرَةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست