responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 96
إِلَى نَاحِيَةِ الْقَفَا، وَهَذَا الْمَعْنَى إِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّه عُقُوبَةً لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْوِيهِ فِي الْخِلْقَةِ وَالْمُثْلَةِ وَالْفَضِيحَةِ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْظُمُ الْغَمُّ وَالْحَسْرَةُ، فَإِنَّ هَذَا الْوَعِيدَ مُخْتَصٌّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا سَنُقِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يُقَرِّرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ [الِانْشِقَاقِ: 10] فَإِنَّهُ إِذَا رُدَّتِ الْوُجُوهُ إِلَى الْقَفَا أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ، لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ الْعُيُونُ وَالْأَفْوَاهُ الَّتِي بِهَا يُدْرَكُ الْكِتَابُ وَيُقْرَأُ بِاللِّسَانِ.
فَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ طَمْسِ الْوُجُوهِ مجازه، ثم ذكروا فيه وجوها: الأول: قال الْحَسَنُ:
الْمُرَادُ نَطْمِسُهَا عَنِ الْهُدَى فَنَرُدُّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، أَيْ عَلَى ضَلَالَتِهَا، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ إِلْقَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْخِذْلَانِ وَظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الْأَنْفَالِ: 24] تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي مَبْدَأِ خِلْقَتِهِ أَلِفَ هَذَا الْعَالَمَ الْمَحْسُوسَ، ثُمَّ عِنْدَ الْفِكْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ كَأَنَّهُ يُسَافِرُ من عالم المحسوسات إلى عالم المعقولات، فقد أمه عَالَمُ الْمَعْقُولَاتِ، وَوَرَاءَهُ عَالَمُ الْمَحْسُوسَاتِ فَالْمَخْذُولُ هُوَ الَّذِي يُرَدُّ مِنْ قُدَّامِهِ إِلَى خَلْفِهِ كَمَا قال تعالى في صفتهم: ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السَّجْدَةِ: 12] . الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالطَّمْسِ الْقَلْبَ وَالتَّغْيِيرَ، وَبِالْوُجُوهِ: رُؤَسَاؤُهُمْ وَوُجَهَاؤُهُمْ، وَالْمَعْنَى مِنْ قَبْلِ أَنْ نُغَيِّرَ أَحْوَالَ وُجَهَائِهِمْ فَنَسْلُبُ مِنْهُمُ الْإِقْبَالَ وَالْوَجَاهَةَ وَنَكْسُوهُمُ الصَّغَارَ وَالْإِدْبَارَ وَالْمَذَلَّةَ. الثَّالِثُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هَذَا الْوَعِيدُ قَدْ لَحِقَ الْيَهُودَ وَمَضَى، وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ فِي إِجْلَاءِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ إِلَى الشَّامِ، فَرَدَّ اللَّه وُجُوهَهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ حِينَ عَادُوا إِلَى أَذْرِعَاتَ وَأَرِيحَاءَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، كَمَا جَاءُوا مِنْهَا بَدْءًا، وَطَمْسُ الْوُجُوهِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَقْبِيحُ صُورَتِهِمْ يُقَالُ: طَمَسَ اللَّه صُورَتَهُ كَقَوْلِهِ: قَبَّحَ اللَّه وَجْهَهُ، وَالثَّانِي: إِزَالَةُ آثَارِهِمْ عَنْ بِلَادِ الْعَرَبِ وَمَحْوُ أَحْوَالِهِمْ عَنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى هَدَّدَهُمْ بِطَمْسِ الْوُجُوهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا إِشْكَالَ الْبَتَّةَ، وَإِنْ فَسَّرْنَاهُ/ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى مَا جَعَلَ الْوَعِيدَ هُوَ الطَّمْسُ بِعَيْنِهِ، بَلْ جَعَلَ الْوَعِيدَ إِمَّا الطَّمْسُ أَوِ اللَّعْنُ فَإِنَّهُ قَالَ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَقَدْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا وَهُوَ اللَّعْنُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ وَظَاهِرُهُ لَيْسَ هُوَ الْمَسْخُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: آمِنُوا تَكْلِيفٌ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ مُدَّةِ حَيَاتِهِمْ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً وَاقِعًا فِي الْآخِرَةِ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ: آمِنُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ وَقْتٌ نَطْمِسُ فِيهِ وُجُوهَكُمْ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. الثَّالِثُ: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أن قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ خِطَابٌ مَعَ جَمِيعِ عُلَمَائِهِمْ، فَكَانَ التَّهْدِيدُ بِهَذَا الطَّمْسِ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ آمَنَ عَبْدُ اللَّه بْنُ سَلَامٍ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَفَاتَ الْمَشْرُوطُ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَيُقَالُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَتَى عَبْدُ اللَّه بْنُ سَلَامٍ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَأَسْلَمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه كُنْتُ أَرَى أَنْ لَا أَصِلَ إِلَيْكَ حَتَّى يَتَحَوَّلَ وَجْهِي فِي قَفَايَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَكُمْ، بَلْ قَالَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَمْسٍ فِي الْيَهُودِ أَوْ مَسْخٍ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن المراد ليس طمس وجوههم بأعيا بهم، بَلْ طَمْسَ وُجُوهِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ قَوْلُهُ:
أَوْ نَلْعَنَهُمْ فَذَكَرَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَايَبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ لَذَكَرَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا ذكرناه.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست