responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 87
يَنْفُذُ نُورُهَا وَلَا تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ سَكْرُ الْمَاءِ وَهُوَ رَدُّهُ عَلَى سُنَنِهِ فِي الْجَرْيِ. وَالسُّكْرُ مِنَ الشَّرَابِ وَهُوَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَاذِ حَالَ الصَّحْوِ، فَلَا يَنْفُذُ رَأْيُهُ عَلَى حَدِّ نَفَاذِهِ فِي حَالِ صَحْوِهِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي لَفْظِ السُّكَارَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ السُّكْرُ مِنَ الْخَمْرِ وَهُوَ نَقِيضُ الصَّحْوِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ سُكْرَ الْخَمْرِ، إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ سُكْرُ النَّوْمِ، قَالَ: وَلَفْظُ السُّكْرِ يُسْتَعْمَلُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَهُ، وَالدَّلِيلُ دَلَّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَا: أَنَّ لَفْظَ السُّكْرِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ سَدِّ الطَّرِيقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِنْدَ النَّوْمِ تَمْتَلِئُ مَجَارِي الرُّوحِ مِنَ الْأَبْخِرَةِ الْغَلِيظَةِ فَتَنْسَدُّ تِلْكَ الْمَجَارِي بِهَا، وَلَا يَنْفُذُ الرُّوحُ الْبَاصِرُ وَالسَّامِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ. الثَّانِي: قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
مِنَ السَّيْرِ وَالْإِدْلَاجِ يُحْسَبُ أَنَّمَا ... سَقَاهُ الْكَرَى فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ خَمْرًا
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ فَنَقُولُ: الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَيْهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُمْ عَنِ الْقُرْبِ مِنَ الصَّلَاةِ حَالَ صَيْرُورَتِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَتَوْجِيهُ التَّكْلِيفِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِنْسَانِ مُمْتَنِعٌ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ تَكْلِيفَ مِثْلِ هَذَا الْإِنْسَانِ يَقْتَضِي تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَهُوَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى/ يَفِيقَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ»
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا السَّكْرَانَ يَكُونُ مِثْلَ الْمَجْنُونِ، فَوَجَبَ ارْتِفَاعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُ.
وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّهُ إِذَا صَلَّى وَهُوَ يَنْعِسُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ لِيَسْتَغْفِرَ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ»
هَذَا تَقْرِيرُ قَوْلِ الضَّحَّاكِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ السُّكْرِ حَقِيقَةٌ فِي السُّكْرِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ، فَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى السُّكْرِ مِنَ الْعِشْقِ، أَوْ مِنَ الْغَضَبِ أَوْ مِنَ الْخَوْفِ، أَوْ مِنَ النَّوْمِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مَجَازٌ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا. قَالَ تَعَالَى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ [ق: 19] وَقَالَ: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى
[الْحَجِّ: 2] الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ الْمُفَسِّرِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا نَزَلَتْ فِي وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِأَجْلِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، امْتَنَعَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ السَّبَبُ مُرَادًا بِتِلْكَ الْآيَةِ، فَأَمَّا قَوْلُ الضَّحَّاكِ كَيْفَ يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ حَالَ كَوْنِهِ سَكْرَانَ؟ فَنَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا لا زم عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: كَيْفَ يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا؟ ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ الشُّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَى السُّكْرِ الْمُخِلِّ بِالْفَهْمِ حَالَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ اللَّفْظُ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ السُّكْرِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الشُّرْبِ الْمُوجِبِ لِلسُّكْرِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ فَذَاكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ النَّوْمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ، وَأَقُولُ: الَّذِي يُمْكِنُ ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِيهِ أَنَّهُ يُقَالُ: نَهَى عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ حَالَ السُّكْرِ مَمْدُودًا إِلَى غَايَةِ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَالْحُكْمُ الْمَمْدُودُ إِلَى غَايَةٍ يَقْتَضِي انْتِهَاءَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عِنْدَ تِلْكَ الْغَايَةِ، فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ مَعَ السُّكْرِ إِذَا صَارَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ مَا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 87
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست